responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 56
وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى تَزْكِيَةِ أَحْوَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بِتَرْكِ الْأَمْوَالِ، وَصَرْفِهَا إِلَى أَسْبَابِ الْوُصُولِ إِلَى الْأَحْوَالِ، وَتَخْلِيَةِ الْقَلْبِ عَنِ الْأَغْيَارِ، وَتَخْلِيَةِ الرُّوحِ لِظُهُورِ تَجَلِّيَاتِ الْأَنْوَارِ، وَأَمَّا الْحَجُّ، فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ زِيَارَةِ بَيْتِ الْجَلِيلِ عَلَى الْخَلِيلِ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ السَّبِيلَ بِأَنْ وَجَدَ شَرَائِطَ السُّلُوكِ، وَإِمْكَانَهُ، وَآدَابَ السَّفَرِ، وَأَرْكَانَهُ، وَهِيَ الْإِحْرَامُ بِالْخُرُوجِ عَنِ الرُّسُومِ، وَالْعَادَاتِ، وَالتَّجَرُّدُ عَنِ الْمَأْلُوفَاتِ، وَالتَّوَجُّهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَفَاءِ الطَّوِيَّاتِ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَاتِ الْمَعْرِفَةِ، وَالْعُكُوفُ عَلَى عَتَبَةِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ، وَالطَّوَافُ بِالْخُرُوجِ عَنِ الْأَطْوَارِ السَّبُعِيَّةِ بِالْأَطْوَافِ السَّبْعِيَّةِ حَوْلَ كَعْبَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ صَفَا الصَّفَاتِ، وَمَرْوَةِ الْمَرَوَاتِ، وَالْحَلْقُ بِمَحْوِ آثَارِ الْعُبُودِيَّةِ بِمُوسَى الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقِسْ عَلَيْهِ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ النَّاسِكِ:
يَا مَنْ إِلَى وَجْهِهِ حَجِّي وَمُعْتَمَرِي ... إِنْ حَجَّ قَوْمٌ إِلَى تُرْبٍ، وَأَحْجَارِ
لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدٍ ... سِرًّا بِسِرٍّ، وَإِضْمَارًا بِإِضْمَارٍ
(قَالَ: صَدَقْتَ) : دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ السَّائِلَ مَا عَدَّهُ مِنَ الصَّوَابِ، وَحَمْلًا لِلسَّامِعِينَ عَلَى حِفْظِ الْجَوَابِ، (فَعَجِبْنَا لَهُ) أَيْ: لِلسَّائِلِ (يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ) : التَّعَجُّبُ حَالَةٌ لِلْقَلْبِ تَعْرِضُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِسَبَبِ الشَّيْءِ، فَوَجْهُ التَّعَجُّبِ أَنَّ السُّؤَالَ يَقْتَضِي الْجَهْلَ غَالِبًا بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ، وَالتَّصْدِيقَ يَقْتَضِي عِلْمَ السَّائِلِ بِهِ ; لِأَنَّ صَدَقْتَ إِنَّمَا يُقَالُ إِذَا عَرَفَ السَّائِلُ أَنَّ الْمَسْئُولَ طَابَقَ مَا عِنْدَهُ جُمْلَةً، وَتَفْصِيلًا، وَهَذَا خِلَافُ عَادَةِ السَّائِلِ، وَمِمَّا يَزِيدُ التَّعَجُّبَ أَنَّ مَا أَجَابَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَيْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضْلًا عَنْ سَمَاعِهِ مِنْهُ. وَفِي رِوَايَةٍ: لَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ صَدَقْتَ أَنْكَرْنَاهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: انْظُرُوا هُوَ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ كَأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، وَفِي أُخْرَى مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِثْلَ هَذَا كَأَنَّهُ يُعَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ. قِيلَ: هُوَ مِنْ صَنِيعِ الشَّيْخِ إِذَا امْتَحَنَ الْمُعِيدَ عِنْدَ حُضُورِ الطَّلَبَةِ لِيَزِيدُوا فِي طُمَأْنِينَةٍ، وَثِقَةٍ فِي أَنَّهُ يُعِيدُ الدَّرْسَ، وَيُلْقِي الْمَسْأَلَةَ مِنَ الشَّيْخِ بِلَا زِيَادَةٍ، وَنُقْصَانٍ، وَفِيهِ نُسْخَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى - عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 3 - 5] (قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: مَا الْإِيمَانُ، وَاسْتُشْكِلَتْ بِأَنَّ مَا لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمَاهِيَّةِ؟ فَالْجَوَابُ غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّهَا الْأَحَقُّ بِالتَّعْلِيمِ، وَلِأَنَّ التَّصْدِيقَ فِي ضِمْنِهَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُطَابَقَةُ حَاصِلَةٌ فِي الْجِهَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ فِي [قَالَ: (أَنْ تُؤْمِنَ) ] : أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَقِيلَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ حَتَّى لَا يَكُونَ تَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَكُونَ الدَّوْرُ فِي تَعْرِيفِهِ. وَقَوْلُ الطِّيبِيِّ أَيْ: تَعْتَرِفُ، وَلِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ فِيهِ أَنَّ الِاعْتِرَافَ مِنْ أَجْزَاءِ الْإِسْلَامِ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْإِيمَانَ هُنَا بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِالْبَاءِ، فَفِي الْقَامُوسِ آمَنَ بِهِ إِيمَانًا أَيْ: صَدَّقَهُ، نَعَمْ لَوْ ضَمِنَ مَعْنَى الِاعْتِرَافِ لَكَانَ حَسَنًا، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَنْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا، أَوْ تَعْتَرِفَ مُصَدِّقًا فَيُفِيدُ كَوْنَ الْإِقْرَارِ شَطْرًا، أَوْ شَرْطًا. قِيلَ: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْعَمَلِ لِلْإِيمَانِ فَإِنَّهُ أَجَابَ عَنِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ عَنِ الْإِيمَانِ، وَجَعَلَهُ تَصْدِيقًا [ (بِاللَّهِ) ] أَيْ: بِتَوْحِيدِ ذَاتِهِ، وَتَفْرِيدِ صِفَاتِهِ، وَبِوُجُوبِ وَجُودِهِ، وَبِثُبُوتِ كَرَمِهِ، وَجُودِهِ، وَسَائِرِ صِفَاتِ كَمَالِهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ جَلَالِهِ، وَجَمَالِهِ. قِيلَ: الصِّفَةُ إِمَّا حَقِيقَةٌ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهَا عَلَى شَيْءٍ كَالْحَيَاةِ، أَوْ إِضَافِيَّةٌ يُتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْقِدَمِ، أَوْ وُجُودِيَّةٌ، وَهِيَ صِفَاتُ الْإِكْرَامِ، أَوْ سَلْبِيَّةٌ، وَهِيَ صِفَاتُ الْجَلَالِ، وَتَنْحَصِرُ الْوُجُودِيَّةُ فِي ثَمَانِيَةٍ نَظَمَهَا الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ:
حَيَاةٌ وَعِلْمٌ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ ... كَلَامٌ وَإِبْصَارٌ وَسَمْعٌ مَعَ الْبَقَا
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذَا الْحَدِيثُ بَيَانُ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَالْإِسْلَامِ، وَهُوَ الِانْقِيَادُ، وَحُكْمُ الْإِسْلَامِ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَيْهِمَا الْأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ شَعَائِرِهِ، ثُمَّ قِيلَ: الْإِيمَانُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ قَيْسٍ، وَاسْمُ الْإِسْلَامِ يَتَنَاوَلُ أَصْلَ الْإِيمَانِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ، وَالطَّاعَاتُ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ اسْتِسْلَامٌ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ، وَيَفْتَرِقَانِ، وَأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَهَذَا التَّحْقِيقُ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ اهـ.

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست