responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 192
قُلْتُ: بَلْ كَوْنُ أَوْلَادِهِمْ مُعَذَّبِينَ مَعَهُمْ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ عَذَابِهِمْ، وَشِدَّةِ عِقَابِهِمْ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمُدَّعَى مِنَ الْحَدِيثِ، أَوْ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ الصِّغَارُ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، أَوْ فِي رَفْعِ الدَّرَجَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهَا {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] يَعْنِي: أَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، فَالْكِبَارُ بِإِيمَانِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالصِّغَارُ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ. أَلْحَقَنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِدَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا بِأَعْمَالِهِمْ دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ تَكْرِمَةً لِآبَائِهِمْ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] الْبَالِغُونَ {بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] الصِّغَارَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ، وَرِوَايَةُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يَجْمَعُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ذُرِّيَّتَهُ فِي الْجَنَّةِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْتَمِعُوا إِلَيْهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ، وَيُلْحِقُهُمْ بِدَرَجَتِهِ بِعَمَلِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ الْآبَاءُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} [الطور: 21] أَيْ: مَا نَقَصْنَاهُمْ يَعْنِي الْآبَاءَ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ لِتَقَرَّ بِهِ عَيْنُهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] » الْآيَةَ اهـ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أَعَمُّ مِنَ الْآبَاءِ، وَالْأُمَّهَاتِ، وَلَعَلَّ أَوْلَادَ خَدِيجَةَ فِي النَّارِ لِأَنَّهَا حَالَ مَوْتِهِمْ لَمْ تَكُنْ مُؤْمِنَةً، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ الْعُلَمَاءِ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ، وَحِينَئِذٍ لَيْسَ كَلَامُ الطِّيبِيِّ عَلَى صَرَافَتِهِ فَتَدَبَّرْ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ) .

118 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ أَيْ رَبِّ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ ذُرِّيَّتُكَ. فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ، وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ: أَيْ رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: دَاوُدُ. فَقَالَ: رَبِّ! كَمْ جَعَلْتَ عُمُرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً. قَالَ: رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً) . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ إِلَّا أَرْبَعِينَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَمُ) : أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ ! فَجَحَدَ آدَمُ، فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَنَسِيَ آدَمُ فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ، وَخَطَأَ وَخَطَأَتْ ذُرِّيَّتُهُ) » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
118 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ» ) : تَقَدَّمَ (فَسَقَطَ) أَيْ: خَرَجَ (مِنْ ظَهْرِهِ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: عَنْ ظَهْرِهِ أَيْ: بِوَاسِطَةٍ وَغَيْرِهَا (كُلُّ نَسَمَةٍ) أَيْ: ذِي رُوحٍ، وَقِيلَ: كُلُّ ذِي نَفْسٍ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّسِيمِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِي " الْقَامُوسِ " النَّسَمُ مُحَرَّكَةٌ؛ نَفْسُ الرُّوحِ كَالنَّسَمَةِ مُحَرَّكَةٌ، وَنَفْسُ الرِّيحِ إِذْ كَانَ ضَعِيفًا كَالنَّسِيمِ (هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ) : الْجُمْلَةُ صِفَةُ نَسَمَةٍ ذَكَرَهَا لِيَتَعَلَّقَ بِهَا قَوْلُهُ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) : وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الذُّرِّيَّةِ كَانَ حَقِيقِيًّا ( «وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ» ) ، أَيْ: مِنْهُمْ عَلَى نُسْخَةٍ، وَالْأَصَحُّ بَيْنَ عَيْنَيْ ثَانِي مَفْعُولَيْ جَعَلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى خَلَقَ فَيَكُونُ ظَرْفًا لَهُ (وَبِيصًا) أَيْ: بَرِيقًا وَلَمَعَانًا (مِنْ نُورٍ) : وَفِي ذِكْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَفِي قَوْلِهِ: (بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ) إِيذَانٌ بِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مِقْدَارِ الذَّرِّ، ( «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ أَيْ رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ» ) تَعَالَى: هُمْ ( «ذُرِّيَّتُكَ. فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ» ) : بِغَيْرِ الْفَاءِ (أَيْ رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ) : تَعَالَى (هُوَ دَاوُدُ) : قِيلَ: تَخْصِيصُ التَّعَجُّبِ مِنْ وَبِيصِ دَاوُدَ إِظْهَارٌ

اسم الکتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف : القاري، الملا على    الجزء : 1  صفحة : 192
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست