اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 134
وقد سبق بيان أن حمل معنى الوقتين على ظاهره – خلافاً لما ذهب إليه جلّ أهل التأويل من أن التعبير بالبكرة والعشي مراده دوام رزقهم ودروره – هو المناسب في حال ارتباط الرزق في سياق الآية بالمأكل والمشرب وهو الملائم لحال المؤمنين في الزهادة والانشغال بمتع الجنة الأخرى، ولا يرد على ما ذكرت أن حمل المعنى على الدوام مؤيد بمجيئ الجملة في صورة الإسمية وهذا يدل على ثبوت ذلك ودوامه فيفيد التكرر المستمر وهو أخص من التكرر المفاد بالفعل المضارع وأكثر، لأنا نقول أن هذا حاصل بالاقتصار على الإطعام في البكرة والعشي أيضاً، وإلا فليس في الجنة بكرة ولا عشي، فهم إنما يؤتون به على ما كانوا يشتهون به في الدنيا لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلّون فيها، [1] فقد جاء في بعض الآثار أن أهل الجنة يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، ومن ذلك ما أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب: (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً) فقلت: الليل من البكرة والعشي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا وتسلم عليهم الملائكة عليهم السلام) . نسأل الله أن يجعلنا منهم وأن يحشرنا في زمرتهم. [1] ينظر الآلوسي 16/ 164 مجلد 9 ونظم الدرر4/ 547.
اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 134