اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 132
أما الموعود به في آية مريم بحصول الرزق لهم بكرة وعشياً، فقد ورد في سياق الحديث عن أهل الجنة الذين تابوا في الدنيا من بعد ظلمهم وأنابوا إلى ربهم واتبعوا سبيله، وذلك قوله: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً. إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا. جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً.. مريم /59- 61) ، وبصرف النظر عما إذا كان هذا في حق اليهود أم في حقهم والنصارى أم في حق قوم من المسلمين لكونها عامة ولا دليل على التخصيص.. فإن الاستثناء فيها على أي حال وعلى ما ذكره في البحر ظاهره الاتصال، والمنعوتون فيها بالتوبة والإيمان والعمل الصالح هم المشار إليهم بما جاء في قوله (أولئك يدخلون الجنة) ، وهم إنما استحقوا ذلك بموجب الوعد المحتوم الذي أخذه الله على نفسه.
والوجه البلاغي في التعبير باسم الإشارة في جانبهم، الإشادة بهم لأجل توبتهم والتنويه بشأنهم، ومجيئ المضارع الدال على الحال للإشارة إلى أنهم لا يُمطلون في الجزاء، وفي قوله: (ولا يظلمون شيئاً) تنبيه على أن فعلهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم، والمراد من قوله في حق الوعد (مأتياً) أي منجزاً، لأن فعل الوعد بعد صدوره وإيجاده إنما هو تنجيزه، ومجيؤه هكذا مع أن المأتي هو الذي يأتيه غيره هو من قبيل الإسناد العقلي أو الاستعارة فقد استعير الإتيان لحصول المطلوب المترقب تشبيهاً لمن يحصِّل الشيئ بعد أن سعى لتحصيله بمن مشى إلى مكان حتى أتاه، وتشبيهاً للشيئ المحصل بالمكان المقصود، فهي استعارة تمثيلية اقتصر من أجزائها على إحدى الهيئتين وهي تستلزم الهيئة الأخرى لأن الثاني لا بد له من آت، والكلمة في سياق جملتها تعليل لجملة (التي وعد الرحمن عباده بالغيب) والمعنى فيه والتقدير: يدخلون الجنة وعداً من الله واقعاً.
اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 132