اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 131
واختلفوا في معنى السر الوارد في الآية السابقة على سبيل التهديد فمن قائل في معناه: أن العالم بكل سر في السموات والأرض هو وحده الذي يمكنه إنزال مثل هذا الكتاب، ومن قائل بأن المعنى أنه أنزله من يعلم السر فلو كذب عليه لانتقم منه لقوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين.. الحاقة /44، 45) ، ومن قائل بأن المعنى أنه سبحانه يعلم كل سر خفي في السموات والأرض ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله - صلى الله عليه وسلم - مع علمكم بأن ما يقوله حق، كما يعلم كذلك باطن أمر رسول الله وبراءته مما تتهمونه به، وهو سبحانه مجازيكم ومجازيه على ما علم منكم وعلم منه [1] ، والوجه في جعل (قل أنزله الذي يعلم السر) جواباً لشبهتهم ورداً على استهزائهم أيّاً ما كان المعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما تحداهم بالمعارضة وظهر عجزهم عنها فلو كان هو الذي أتى بالقرآن بأن استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضاً أن يستعينوا بهذا الواحد فيأتوا بمثله، فلما عجزوا عن ذلك أيضاً ثبت أنه وحي الله وكلامه، سيما وأن هذا القرآن الذي لا يجارى في فصاحته مبرأ عن النقص والعيوب ومشتمل على الإخبار عن الغيوب وعلى أنواع العلوم التي لا يحيط بها إلا العالم بجميع المعلومات ولا يحيط بها سواه [2] فأين يقع إذن علم حفاظ الأساطير ورواتها من ذلك وماذا يساوي بجوار هذا الخضم الذي لا ساحل له؟.
التسبيح في مقام الوعد والوعيد:
جاء التعبير بطرفي النهار في مقام الحديث عن الوعد في قول الله تعالى: (لا يسمعون فيها لغواً إلا سلاماً ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً.. مريم /62) ، بينا جاء عن مقام الوعيد في قوله: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ... غافر/46) . [1] ينظر مفاتيح الغيب 11/663. [2] ينظر الرازي 11/ 662 ونظم الدرر5/ 297.
اسم الکتاب : من بلاغة القرآن فى التعبير بالغدو والأصال المؤلف : دسوقي، محمد الجزء : 1 صفحة : 131