responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح    الجزء : 1  صفحة : 56
فقال: "قيل: أنزلت التوراة جملة، لأنها نزلت على نبي يقرأ ويكتب -وهو موسى- وأنزل القرآن مفرقا لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي"[1].
وأما تجاوب الوحي مع المؤمنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي القرآن منه صور متنوعة، وألوان متباينة تلتقي كلها عند غاية واحدة: وهي رعاية حال المخاطبين، وتلبية حاجاتهم في مجتمعهم الجديد الآخذ في الازدهار، وعدم مفاجأتهم بتشريعات وعادات وأخلاق لا عهد لهم بمثلها. وقد أشار إلى هذا مكي[2] في "الناسخ والمنسوخ" حين لاحظ أن نزول القرآن "أدعى إلى قبول إذا نزل على التدريج، بخلاف ما لو نزل جملة واحدة، فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي، ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري[3] عن عائشة قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء، "لا تشربو الخمر" لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو انزل "لا تزنوا" لقالوا: "لا ندع الزنى أبدًا"[4].
وظاهر كلام السيدة عائشة في قولها هذا أنها جمعت بين تحريم الخمر وتحريم الزنا بالتدريج، فيخيل إلى السامع أن تحريم الزنى لم يتم إلا على مراحل كالخمر، وليس ذلك بصحيح ولا هو مراد بنت الصديق، فإنها رضي الله عنها كانت تعلم أن الزنى حرم دفعة واحدة، في خطوة واحدة

[1] الإتقان 1/ 71 نقلا عن البرهان 1/ 231.
[2] هو مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار القيسي المقرئ. يكنى أبا محمد، وأصله من القيروان، كثير التأليف في علوم القرآن والعربية، سكن قرطبة ورحل إلى مصر مرتين. وتوفي سنة 437. ينسب إليه السيوطي كتابا في "الناسخ والمنسوخ" منه اقتبس هذه العبارة المذكورة أعلاه، ويذكر له القفطي عددا من المؤلفات منها "انتخاب كتاب الجرجاني في نظم القرآن" انظر إنباه الرواة 3/ 313-319 وشذرات الذهب 3/ 260-261 ووفيات الأعيان 2/ 120-121.
[3] صحيح البخاري 6/ 185.
[4] الإتقان 1/ 73.
اسم الکتاب : مباحث في علوم القرآن المؤلف : صبحي الصالح    الجزء : 1  صفحة : 56
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست