اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 779
قال الله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ هذا من مجاز المشارفة، بقرينة ما بعده، لأنّه لا يؤمر بالإمساك بعد انقضاء العدة، أي فإذا شارفن آخر عدتهنّ فأمسكوهنّ بمعروف، أو فارقوهنّ بمعروف، والإمساك بالمعروف مراجعتهن مع حسن المعاشرة، والإنفاق المناسب، والمفارقة بالمعروف تخليتهنّ حتى تنقضي عدتهن مع إيفائهن حقهن، واتقاء الضّرار بهن.
وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ أي وأشهدوا عند الرجعة إن اخترتموها، أو الفرقة إن اخترتموها، لأنّ الإشهاد يقطع النزاع، ويدفع الريبة.
وهذا أمر ندب واستحباب في الرجعة والفرقة، كما في قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: 282] وللشافعي قول في القديم بوجوب الإشهاد في الرجعة، وأنه شرط في صحتها. والجديد أنه لا يشترط لصحتها الإشهاد عليها، بناء على الأصح أنّها في حكم استدامة النكاح لا ابتدائه، ومن ثمّ لم يحتج فيها لولي ولا لرضاها، وإنما يندب فيها الإشهاد لقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وصرفه عن الوجوب إجماعهم على عدم الوجوب عند الطلاق، فكذلك عن الإمساك.
وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ أي أدوا الشهادة أيها الشهود خالصة لوجه الله، وفيه دليل على وجوب إقامة الشهادات عند الحكام على الحقوق كلها، لأنّ الشهادة هنا اسم للجنس، وإن كان مذكورا بعد الأمر بإشهاد ذوي عدل على الرجعة أو الفرقة، لأنّ ذكرها بعده لا يمنع استعمال اللفظ على عمومه.
ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الإشارة إلى ما تقدّم من الحث على إقامة الشهادة لله، أو إلى ما تقدّم من الأحكام كلها، من إيقاع الطلاق على وجه السنة، وإحصاء العدة، والكف عن الإخراج والخروج، والإشهاد على الرجعة أو الفرق، وإقامة الشهادة لله، أي هذه الأحكام يوعظ بها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، لأنه المنتفع بها.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ هذا اعتراض جيء به لتأكيد ما سبق من الأحكام، أي وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ في كل عمله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من هموم الدنيا ومضارها، وغمرات الموت وأهوال الآخرة وشدائدها، ويرزقه الفوز بخيري الدارين، من وجه لا يخطر بباله، وإذا كان هذا وعدا لعامة المتقين، تناول بعمومه الزوج الذي اتقى الله في الطلاق للسنة، ولم يخرج المعتدة من مسكنها، وأمسك
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 779