responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 684
وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) [النمل: 50] فأخبر الله أنّه مكر بمن مكر بأنبيائه ورسله.
وكثير من الحيل هذا شأنها، يمكر بها على الظالم والفاجر، ومن يعسر تخليص الحق منه، فتكون وسيلة إلى نصر مظلوم، وقهر ظالم، ونصر حق، وإبطال باطل، والله تعالى قادر على أخذهم بغير وجه المكر الحسن، ولكن جازاهم بجنس عملهم، وليعلّم عباده أنّ المكر الذي يتوصّل به إلى إظهار الحق، ويكون عقوبة للماكر، ليس قبيحا.
وقد ساق ابن القيم بعد ذلك آثارا، عن الصحابة، وأحاديث من السنة، وأقوالا عن السلف والأئمة، يتمسك بها القائلون بمشروعية الحيلة، يطول المقام بذكرها، فنحيلك على «أعلام الموقعين» [1] إن أردتها.
ثم أخذ يرد على هذا الذي تمسّك به القوم، فأطال في إبداع، ونحن نذكر هنا طرفا منه.
قال: ونحن نذكر ما تمسكتم به في تقرير الحيل والعمل بها، ونبيّن ما فيه، متحرّين العدل والإنصاف، منزّهين لشريعة الله وكتابه وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن المكر والخداع والاحتيال المحرم، ونبيّن انقسام الحيل والطرق إلى ما هو كفر محض، وفسق ظاهر، ومكروه، وجائز، ومستحب، وواجب عقلا أو شرعا، ثم نذكر فصلا نبيّن فيه التعويض بالطرق الشرعية عن الحيل الباطلة، فنقول وبالله التوفيق، وهو المستعان وعليه التكلان:
أما قوله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ فقال شيخنا: الجواب: أنّ هذا ليس مما نحن فيه، فإنّ للفقهاء في موجب هذه اليمين في شرعنا قولين: يعني إذا حلف ليضربنّ امرأته أو عبده مئة ضربة:
أحدهما: قول من يقول موجبها الضرب مجموعا أو مفرقا، ثم منهم من لا يشترط مع الجمع الوصول إلى المضروب، فعلى هذا تكون هذه الفتيا موجب هذا اللفظ عند الإطلاق، وليس هذا بحيلة، إنما الحيلة بصرف اللفظ عن موجبه عن الإطلاق.
والقول الثاني: أن موجبه الضرب المعروف، وإذا كان هذا موجبه لم يصح الاحتجاج علينا بما يخالف شرعنا من شرائع من قبلنا، لأنّا إن قلنا: «ليس شرعا لنا مطلقا» فظاهر، وإن قلنا: «هو شرع لنا» فهو مشروط بعدم مخالفته شرعنا، وقد انتفى الشرط.
وأيضا فمن تأمّل الآية علم أنّ هذه الفتيا خاصة الحكم، فإنّها لو كانت عامة الحكم في حقّ كلّ أحد لم يخف على نبي كريم موجب يمينه، ولم يكن في قصّها علينا كبير عبرة، فإنما يقصّ علينا ما خرج عن نظائره، لنعتبر به، ونستدل به على حكمة الله فيما قصّه علينا.

[1] انظر أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم بيروت، دار الجيل (3/ 290- 403) .
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي    الجزء : 1  صفحة : 684
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست