اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 577
الداخل، فلا يكون النظر وحده من ثقب الباب مبيحا ذلك بالطريق الأولى.
وأجابوا عن حديث أبي هريرة بأنه ضعيف وعلى فرض صحته ينبغي أن يؤول لمخالفته الأصول، وتأويله أن من اطلع في دار قوم بغير إذنهم فزجر ومنع من ذلك، فقاوم فقلعت عينه بسبب المقاومة والمدافعة فهي هدر. كما أنّه إذا حاول دخول الدار فمنع، فقاوم وغالب، فذهبت عينه فهي هدر.
لكن الشافعية ومن وافقهم يقولون: إنّ هذه حادثة ورد فيها حكم يخصّها، فهي مستثناة من عموم قوله تعالى: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. ويقولون بالفرق بين من يتجسس على أهل الدار ويطلع عليهم وعلى عوراتهم من ثقب الباب وهم لا يشعرون، وبين من دخل عليهم وبصّرهم بنفسه، وحملهم على أن يتستروا منه. فلا شك أنّ الأول أعظم جرما من الثاني، فلو قلعوا عينه فلا شيء عليهم، وذهبت عينه هدرا.
واسم الإشارة في قوله تعالى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عائد على المذكور في الآية، وهو الاستئناس والسلام، فإفراد الإشارة إليه باعتبار أنه المذكور، ويصحّ أن تكون الإشارة للدخول المطلوب شرعا، وهو الذي دلّ عليه قوله تعالى: لا تَدْخُلُوا.
والظاهر أن كلمة خَيْرٌ أفعل تفضيل، ولا شك أنّ الاستئذان قبل الدخول مع البدء بتحية الإسلام خير مما كان عليه العرب في الجاهلية من الدمور، وهو الدخول بغير استئذان، ومن قولهم في التحية: حييتم صباحا، أو: حييتم مساء، فإنّ أحدهم كان يدخل بغير استئذان على صاحبه في داره، فربما وجده مع امرأته في لحاف واحد، وكان كثير منهم يشقّ عليه ذلك، ويتأذّى به. والدمور وإن لم يكن فيه شيء من الخير قد فرض فيه ذلك على سبيل التنزل، أو مراعاة لاعتبارهم أن فيه خيرا، إذ كانوا يرون أن الاستئذان مذلة تأباها النفوس.
ويرى بعض المفسرين أنّ كلمة خَيْرٌ صفة عارية عن معنى التفضيل وحينئذ لا تقتضي إثبات الخيرية للدخول بغير إذن، ولا لتحية الجاهلية.
وكلمة لعلّ في قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ للتعليل، والحكم المعلّل بها مطوي يدل عليه قوله تعالى: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أي أرشدكم الله إلى ذلك الأدب، وبيّنه لكم لتجعلوه على ذكر منكم، فتعملوا بموجبه.
قال الله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) قد تكون البيوت المسكونة خالية من أصحابها في وقت من الأوقات، وفي هذه الحال لا يحلّ أيضا لمن يجدها كذلك أن يدخلها، فإنّ خبيئات البيوت عورات لها، والدخول من غير إذن قد يؤدي إلى الاطلاع على هذه العورات، فيجب على الطارق
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 577