اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 273
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ لما كان المال شقيق الروح من حيث إنه سبب قوامها، وبه صلاحها، حسن الجمع بين التوصية بحفظ المال، والتوصية بحفظ النفس.
وظاهر قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ النهي عن أن يقتل المؤمن نفسه، وعلى هذا الظاهر اقتصر البلخي فقال: المراد النهي عن قتل الإنسان نفسه في حال غضب أو ضجر.
ونظير ذلك
قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم» [1] .
ولكن جمهور المفسرين على أن المعنى: لا يقتل بعضكم بعضا، وإنما قال:
أَنْفُسَكُمْ مبالغة في الزجر،
وقد ورد في الحديث: «المؤمنون كالنفس الواحدة» «2»
ولأنّ العرب يقولون: قتلنا ورب الكعبة إذا قتل بعضهم، لأن قتل بعضهم يجري مجرى قتلهم.
وأنكر بعض الناس قول البلخي، وقال: إن المؤمن مع إيمانه لا يجوز أن ينهى عن قتل نفسه، لأنه ملجأ إلى ألا يقتل نفسه، وذلك لأنّ الصارف عنه في الدنيا قائم، وهو الألم الشديد والذم العظيم، والصارف عنه أيضا في الآخرة قائم، وهو استحقاق العذاب الشديد.
وإذا كان الصارف خالصا امتنع منه أن يقتل نفسه، وإذا كان كذلك لم يكن للنهي عنه فائدة.
وهذا غير سديد، لأنّ قتل النفس ما لم ينه عنه لا يعلم أنه يوجب العذاب الأليم في الآخرة، وربما تخيّل الإنسان أن نفسه ملكه، فإذا بخع نفسه فلا عقوبة عليه، إذ هو لم يعتد على غيره.
وكم من مؤمن بالله واليوم الآخر يلحقه من الغم والأذية ما يظنّ معه أن القتل عليه أسهل، وإذا كان كذلك كان في النهي عن قتل الإنسان نفسه فائدة أي فائدة، لا سيما في عصرنا الحاضر، حيث ضعف إيمان الناس، وغلب عليهم حبّ الدنيا، واستهوتهم الشهوات، وسرت إليهم عدوى الانتحار، فترى الواحد منهم يفضّل أن يقتل نفسه لدريهمات خسرها في تجارته، أو لخلاف بينه وبين زوجته، أو لضيق ذات [1] رواه البخاري في الصحيح (7/ 41) ، 76- كتاب الطب، 56- باب شرب السم حديث رقم (5778) ، ومسلم في الصحيح (1/ 103) ، 15- كتاب الإيمان، 47- باب غلظ تحريم الإنسان نفسه حديث رقم (175/ 109) .
(2) رواه مسلم في الصحيح (4/ 200) ، 45- كتاب الصلة، 17- باب تراحم المؤمنين حديث رقم (67/ 2586) (بلفظ مختلف) .
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 273