اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 223
النفوس تعاطيه، فلهذا المعنى ذكر الله تعالى هذا المجمل أولا ثم أردفه بالتفصيل.
وفي اختيار هذا الأسلوب التفصيلي- مع أنه كان يكفي أن يقال: للرجال والنساء نصيب إلخ- اعتناء بشأن النساء، وإيذان بأصالتهن في استحقاق الإرث، ومبالغة في إبطال حكم الجاهلية، بإلغاء ما كانوا يعتبرونه من الأوصاف الخاصة بالرجال سببا مضموما إلى القرابة في استحقاق الميراث، فالله قد أهدر وصف الرجولة في ميراث الإنسان من والديه وأقاربه، وجعل سبب هذا التوارث القرابة فحسب، والرجال والنساء سواء في ذلك، فكما يكون للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، يكون للنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون.
ومن العلماء من عمّم في الرجال والنساء، فجعل المراد من الرجال الذكور مطلقا، سواء أكانوا كبارا أم صغارا، والمراد من النساء الإناث كذلك، ويكون المراد التسوية بين الذكور والإناث في أنّ لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان والأقربون، ومنهم من حمل الرجال على الصغار من الذكور، وحمل النساء على الصغار من الإناث كذلك، وعلل هذا الاقتصار بأن فيه اعتناء بشأن اليتامى، وردّا صريحا على طريقة الجاهلية في التوريث.
وعلى كل حال فظاهر الآية يشهد للحنفية القائلين بتوريث ذوي الأرحام، لأنّ العمات والخالات وأولاد البنات من الأقربين، فوجب دخولهم تحت قوله سبحانه:
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ إلخ فثبت كونهم مستحقين لأصل النصيب بهذه الآية، وأما المقدار فمستفاد من دلائل أخر كما هو الحال في غيرهم.
وحاول الإمام الرازي [1] الردّ على الحنفية، فادعى أنّ المراد من الأقربين الوالدان والأولاد، وحينئذ لا يدخل فيهم ذوو الأرحام، وعليه يكون عطف الأقربين على الوالدين من عطف العام على الخاص، وهو تأويل ظاهر التكلف.
وقوله تعالى: مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ بدل من (ما) الثانية، بإعادة العامل، ويقدّر مثل هذا في الجملة الأولى، والفائدة منه التنصيص على أن التوريث يكون في التركات الضئيلة، كما يكون في التركات العظيمة، وفيه أيضا دفع توهم اختصاص بعض الأموال ببعض الورثة، وبذلك تنقطع طماعية الكبار من الورثة في أن يختصوا بمثل السيف والخاتم والمصحف واللباس البدني.
وكلمة نَصِيباً مَفْرُوضاً مصدر مؤكد بتأويله بمعنى العطاء، أو حال، وأصل الفرض الحز في الشيء، ويسمّى الحز في سية القوس فرضا، ثم توسّع فيه، فاستعمل بمعنى القطع والتقدير، وما أوجبه الله تعالى، وأولى المعاني هنا في كلمة مَفْرُوضاً أنها بمعنى مقدّرا. [1] في كتابه: مفاتيح الغيب والمعروف أيضا بالتفسير الكبير (9/ 195) .
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 223