اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 221
والطائفة الثانية: ذهبت إلى أن ذلك حق اليتيم، ينفق عليه من ماله بحسب حاله، وحكي ذلك عن يحيى بن سعيد، ويميل إليه كلام الجصاص، وهو كما ترى تأويل بعيد كل البعد، لا ينتظم مع قوله تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ.
ومن هذه الطائفة من ادّعى نسخ هذه الآية بقوله تعالى بعدها: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً فقد أخرج أبو داود وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ نسختها إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إلخ.
فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً من معاني الحسيب الكافي والمحاسب، وكلاهما محتمل هنا.
يأمر الله تعالى الأولياء والأوصياء أن يشهدوا على اليتامى حين يدفعون إليهم أموالهم، بعد رعاية الشرطين السابقين: البلوغ، ثم الرشد، لأنّ ذلك الإشهاد أبعد عن التهمة، وأنفى للخصومة، وأدخل في الأمانة.
واختلف العلماء في أنّ الوصي إذا ادّعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع إليه ماله هل يصدّق؟ وكذلك إذا قال: أنفقت عليه في صغره، هل هو مصدّق؟
فقال الإمامان مالك والشافعي: لا يصدق، وقال الإمام أبو حنيفة وأصحابه:
يصدّق.
واحتج مالك والشافعي بهذه الآية، فإنّ قوله تعالى: فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ أمر، وظاهر الأمر الوجوب، وليس معنى الوجوب هنا أنه يأثم إذا لم يشهد، بل المراد أنّ الإشهاد لا بد منه في براءة ذمته ظاهرا، حتى إذا دفع المال ولم يشهد، ثم طالبه اليتيم، فالقول قول اليتيم بيمينه.
وقال الحنفية: إنّ الأمر للندب، وصرفه عن الوجوب أن الوصي أمين، والأمين إذا ادّعى الردّ على من ائتمنه صدّق، وقالوا إن قوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً يشهد لهم في عدم لزوم البينة، فإنّ معناه أنه لا شاهد أفضل من الله تعالى فيما بينكم وبينهم، روي ذلك عن سعيد بن جبير.
واختار جمهور المفسّرين أن المعنى وكفى بالله محاسبا لكم، فلا تخالفوا ما أمرتم به، ولا تتجاوزوا ما حدّ لكم. ولا يخفى موقع المحاسب هنا، وما فيه من الإشارة إلى أن الوصي سيحاسب على ما في يده من مال اليتيم، ثم يجزى على عمله الجزاء الأوفى.
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 221