اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 214
والضمير المجرور بمن في قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً عائد على الصّدقات، وذكر لإجرائه مجرى الإشارة، وكثيرا ما يشار بالمفرد إلى المتعدد، كأنه قيل: طبن لكم عن شيء من ذلك المذكور، وهو الصدقات، كما قال رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنّه في الجلد توليع البهق
أراد: كأنّ ذلك، وليس المراد من قوله تعالى: فَكُلُوهُ خصوص الأكل، إنما المراد حلّ التصرف فيه، وخصّ الأكل بالذكر، لأنه معظم وجوه التصرفات المالية، وتقدّم نظيره في قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النساء: 2] والهنيء والمريء صفتان من هنؤ الطعام يهنؤ هناءة، فهو هنيء، ومرؤ يمرؤ مراء، فهو مريء.
قيل: معناهما واحد، وهو خفة الطعام على المعدة، وانحداره عنها بلا ضرر.
وقيل: الهنيء الذي يلذه الآكل، والمريء ما تحمد عاقبته، وقيل: ما ينساغ في مجراه، وهو المريء كأمير، وهو رأس المعدة اللاصق بالحلقوم، سمّي بذلك لمرور الطعام فيه أي انسياغه.
دلت هذه الآية على أمور منها، أن الفروج لا تستباح إلا بصداق ملزم، سواء سمّي ذلك في العقد أو لم يسمّ.
وأن الصداق ليس في مقابلة الانتفاع بالبضع، لأنّ الله تعالى جعل منافع النكاح:
من قضاء الشهوة، والتوالد، مشتركة بين الزوجين، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر، فكان ذلك عطية من الله ابتداء.
وأنه يجوز للزوجة أن تعطي زوجها مهرها، أو جزءا منه، سواء أكان مقبوضا معينا، أم كان في الذمة، فشمل ذلك الهبة والإبراء، وأنه ينبغي للأزواج الاحتياط فيما أعطت نساؤهم، حيث بني الشرط على طيب النفس، فقال: فَإِنْ طِبْنَ ولم يقل: فإن وهبن إعلاما بأنّ المراعى في ذلك هو تجافيها عن المعطى طيّبة به نفسها، من غير أن يكون السبب فيه شراسة خلق الزوج، أو سوء معاشرته.
وأنه يحلّ للزوج أخذ ما وهب زوجته بالشرط السابق من غير أن يكون عليه تبعة في الدنيا والآخرة.
واحتج الجصاص بقوله تعالى: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً على إيجاب المهر كاملا للمخلو بها خلوة صحيحة، ولو طلّقت قبل المساس، وأنت تعلم أنّ هذه الآية عامة في كل النساء بسواء المخلوّ بها وغيرها، إلّا أنّ قوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ [البقرة: 237] يدل على أنه لا يجب للمخلوّ بها إلا نصف المهر، وهذه الآية خاصّة، ولا شك أن الخاصّ مقدم على العام، فالخلوة الصحيحة لا تقرّر المهر كلّه.
اسم الکتاب : تفسير آيات الأحكام للسايس المؤلف : السايس، محمد علي الجزء : 1 صفحة : 214