إِماماً وَرَحْمَةً قبل القرآن يشهد له بما قدّم الله فيها من ذكره.
والجواب هاهنا محذوف. أراد أفمن كانت هذه حاله كهذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه.
ومثله قوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ، ولم يذكر الذي هو ضده؟ لأنه قال بعد: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:
9] .
فالقانتون آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، وأضدادهم، هم الذين لا يعلمون، فاكتفى من الجواب بما تأخّر من القول، إذ كان فيه دليل عليه.
وقوله: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، يعني أصحاب محمد، صلّى الله عليه وسلم، يؤمنون بهذا.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ، يعني مشركي العرب وغيرهم. فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ، أي في شك. إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره، على ما بينا في (باب الكناية) .
في سورة الأنعام
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) [الأنعام: 154] .
أراد: آتينا موسى الكتاب تماما على المحسنين، كما تقول: أوصي بمالي للذي غزا وحج، تريد الغازين الحاجّين، ويكون (الذي) في موضع (من) كأنه قال: تماما على من أحسن.
والمحسنون: هم الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين، والمؤمنون. و (على) في هذا الموضع بمعنى (لام الجر) كما يقال: أتمّ الله عليه وأتمّ له قال الرّاعي [1] :
رعته أشهرا وخلا عليها ... فطار النّيّ فيها واستغارا
أراد: وخلا لها.
وتلخيصه: آتينا موسى الكتاب تتميما منّا للأنبياء وللمؤمنين- الكتب. [1] البيت من الوافر، وهو للراعي النميري في ديوانه ص 142، وخزانة الأدب 10/ 140، 142، ولسان العرب (غور) ، (خلا) .