في جاهلية جهلاء وأعرضوا عن خالق الأرض والسماء وقصد ابرهة هدم البيت الحرام صار الكون بحاجة ماسة إلى من ينقذه من ورطته وبوقظه من رقدته وبينما هم كذلك لا يدرون ما وراء ذلك حصل أمر عظيم.
مطلب ولادة محمد صلّى الله عليه وسلم
ولد محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم عام الفيل 29 أغسطس سنة 570 من ميلاد عيسى بن مريم عليه السلام وقيل في 20 نيسان سنة 570 والأول أكثر حجة كما في الصفحة 118 من مقدمة الأستاذ فريد وجدي المسماة صفوة القرآن، وفي ترجيح لقول الأخير نظر إلى ولادته في ربيع ونيسان من أشهره، ولكن هذا غير مطرّد في نكاح صحيح ونسب طاهر. وظهر لولادته خوارق وغرائب وعلامات، منها رسال الأبابيل على أبرهة المذكور وحماية بيته منه، وإخماد نار فارس، وانصداع ديوان كسرى، ونضوب ماء عين ساوة، عدا ما رأته أمه من الكرامات في حمله وولادته، وما رأته مرضعته مدة رضاعه وغيرها، مما لا محل لذكره هنا، وقد نشأ نشأة تبرهن للعالم أجمع بأنه صلّى الله عليه وسلم هو المختار لإصلاح هذا الكون وأهله والمجدد لعصور الأنبياء بالإرشاد، ونشل العالم من كبوته، وقد ترعرع بين قومه فأحبوه وعظموه ونسبوا إليه كل فضل حتى انهم لقبوه بالأمين، وقد أراه الله من الإرهاصات الدالة على نبوّته عيانا، وأراه الرؤيا الصادقة تبيانا، وصار يتعبد بما يلهمه ربه وحبب إليه الخلاء، فاعتزل قومه إلى غار حراء كارها ما هم عليه من عبادة الأوثان وغيرها من العادات القبيحة الجاهلية، ومن هنا نشأت عداوة قومه له ولم يزل حتى شرفه الله بالنبوة والرسالة وأنعم عليه بالقرآن المجيد، وأول ما بدىء به بعد ما رأى من مقدمات الوحي الرؤيا الصادقة مدة ستة أشهر في مطلع سنة 46 من ميلاده الشريف أوائل سورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) كما تقدم، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. لأن مدة الوحي ثلاث وعشرون سنة تقريبا فتكون الستة أشهر جزءا. منها، وكان مبدأ النزول في غار حراء يوم الجمعة في 17 رمضان من ميلاده الموافق سنة 610 من ميلاد عيسى عليهما الصلاة والسلام، ولذلك ابتدأت هذا الكتاب في تفسير سورة العلق التي أولها تلك الآيات الخمس النازلة عليه جريا على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
ت (5)