مطلب إعاذة الله فى إصلاح الكون
لما كان مراد الله تعالى من خلق خلقه عبادته والاعتراف بوحدانيته ليس إلا لقوله عز قوله (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية 56 من الذاريات في ج 2، وكانت المخلوقات الأرضية بأسرها عدا من اختصه الله شريرة بالطبع، بحيث لو تركت وشأنها، لأكل القوي الضعيف، واسترق الوضيع الشريف، واستخدم الغني الفقير، وذل التقي واعتز الشرير، وطأطأ العاقل، وتطاول الجاهل، ولم يقف عند هذا الحد، بل لساقه بغية لمناوأة بإرثه، ولقضت له أنفته لقتال مرشده كفرعون وهامان ونمرود ومن تقدمهم من أهل إرم وعاد وثمود، ولنهض به طغيانه إلى عبادة غير خالقه من الأصنام والأوثان والملائكة والكواكب والنار والحيوان، وقد جرت عادة الله تعالى في كونه، انه كلما فسد ما فيه من الخلق المكلف بعبادته، أرسل إليه من يرشده ويصلحه رحمة به وإبقاء لبقائه حتى استكمال أجله المقدر له في علمه عند خلقه. وقدّر له الرقي والفوز في ملكوته ليسير في ملكه وليعلم أهم قادرون بقدرته على استخراج ما أودعه فيه، فيرفعه هذا المرشد من مستوى الرذيلة إلى علو مراتب الفضيلة، حتى إذا أصرّ على عناده هبط به إلى حضيض الخسة وأهلكه بعذاب لا مرد له منه، قال تعالى (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا) الآية 24 من سورة يونس ج 2. وقد اطّردت عادة جل هذا البشر أن لا يتعظ بالآيات ولا يتأثر بالمعجزات وينسى ما أوقعه الله بالكافرين أمثاله من عذاب الاستئصال،
وما سمي الإنسان إلا ... لنسيه ولا القلب إلا انه يتقلب
ولكن الله تعالى بالمرصاد للمعاندين أشباههم وانه مهما أمهل لا يهمل وما كان ولن يكون غافلا عن الظالمين ولا ناسيا مكايدهم، وقد طفح قدح الخلق في القرن السادس من ميلاد المسيح عليه السلام بأنواع البغي والطغيان والعمل القبيح وأعرضوا عما جاءهم به ابن عمران وكفروا بالسيد المسيح وعكفوا على اللذائذ والشهوات ولم يبالوا بما اقترفوه من الفواحش والجنايات حتى استحلوا المحارم وتكالبوا على المظالم، ونبذوا كتب أنبيائهم ظهريا، ولم يخشوا لومة لائم، وتخبط العرب