من حزنه] وتقر عينه فيرجع إلى حالته الأولى أملا برجوع الوحي إليه، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفي بذروة الجبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبريل فقال مثل ذلك.
مطلب أول ما نزل من القرآن وروى البخاري ومسلم عن يحيى بن كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن، قال: (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ) قلت يقولون (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) قال أبو سلمة: سألت جابرا عن ذلك وقلت له مثل ذلك فقال لي:
لا أحدثك إلا بما حدثنا به رسول الله قال: جاورت بحراء شهوا فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا، فأتيت خديجة فقلت دثروني فدثروني وصبوا علي ماء باردا [فيه أن من يفزع ينبغي أن يصب عليه الماء البارد ليسكن خوفه] فنزلت (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وذلك قبل أن تفرض الصلاة، وفي رواية فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي وذكر نحوه وقال: فإذا هو قاعد على عرش في الهواء (يعني جبريل) فأخذتني رجفة شديدة [والمراد بالعرش هنا السرير والكرسي المبين في الحديث الآتي] ورويا عن جابر في رواية الزهري عن ابن سلمة رضي الله عنهما قال سمعت: رسول الله يحدث عن فترة الوحي فقال لي في حديثه: بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فجئثت [بجيم مضمومة وهمزة مكسورة وتاء ساكنة وتاء مضمومة وروي بتاءين ومعناه رعبت وفزعت] منه رعبا، فقلت زملوني زملوني، فدثروه فأنزل الله عز وجل:
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) قال ثم حمى الوحي بعده وتتابع.
واعلم ان هذين الحديثين لا يتعارضان مع حديث عائشة المتقدم ذكره بأن أول ما نزل مبادئ سورة اقرأ، لأن ما جاء في هذين الحديثين من أن أول سورة نزلت هي المدثر لا يصح، لأن قوله في الحديث الأول وهو يحدث عن فترة الوحي