فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فرجع بها رسول الله ترجف بوادره (هي اللحمات التي فوق الرغثاوين أي عروق الثدي وأسفل الشذوة أي لحم الثدي واللحمات ما بين المنكب والعنق) حتى دخل على خديجة بنت خويلد فقال: زملوني زملوني [غطوني ولفوني بالثياب] فزملوه حتى ذهب عنه الروع (الفزع) ، ثم قال لخديجة مالي؟ وأخبرها الخبر، قال: لقد خشيت على نفسي (أي الهلاك) ، قالت خديجة: كلا أبشر فو الله لا يخزيك الله (لا يذلك) أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسعد بن عبد العزى عم خديجة وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره ما رآه، فقال له ورقة: هذا الناموس [يعني جبريل صاحب خبر الخير يسمى بهذا لأن الله خصّه بالوحي إلى الأنبياء] الذي نزله على موسى، يا ليتني فيها [أي نبوتك] جذعا [شابا قويا] ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال صلّى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال نعم. لم يأت رجل قط.
بمثل ما جئت به إلا عودي، وان يدركني يومك [أي يوم يخرجك قومك عند ادعائك النبوة] أنصرك نصرا مؤزرا [قويا معززا] ثم لم يلبث ورقة أن توفي [أي قبل ظهور الدعوة] .
وفتر الوحي، زاد البخاري قال: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى [أي يوقع نفسه] من رؤوس شواهق الجبال، فلما أوفى بذروة جبل كي يلقي نفسه منه تبدّى [أي ظهر عيانا] له جبريل، فقال:
يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه [قلبه وما ثار من فزعه وهاج