بفطنته علم أن ما جاء به موسى من عند الله وفي تصديقه ذهاب ملكه، ولولا خشيته ذهاب الملك لآمن به، لأن ما هو عليه من حذق ومهارة لا يخفى عليه السحر من غيره.
مطلب ما وقع بين موسى والسحرة:
«وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا» يا فرعون أ «إِنَّ لَنا لَأَجْراً» عندكم تعطونا إياه «إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ 113» لموسى وأخيه ولا يقال هنا إن حق الكلام أن يقال (فقالوا) لأن الكلام فيه حذف وإيجاز وهو من محسنات البديع في الكلام والتقدير كأن سائلا سئل ما قالوا إذ جاءوا إليه فأجيب بقوله قالوا ومثله كثير في القرآن وهذه جرأة من القائل راجع الآية 67 من يونس في ج 2 وما ترشدك إليه «قال» فرعون بحضور ملأه لأن القول الفصل له وإنما لملائه إبداء الرأي فقط، وهكذا يكون الوزراء مع الملوك راجع الآية 32 من سورة النمل الآتية «نَعَمْ» إن لكم عندنا لأجرا وتكرمة «وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 114» عندنا رفعة ومكانة إذا غلبتم موسى، وأخذهم لأرض الميعاد وجاء موسى وأخوه وتفاوض مع السحرة وأبدى لهم نصحه، وأخبرهم أن ما جاء به ليس بسحر، بل هو من عند الله، وأكد لهم ذلك، وأرشدهم للكف عما جاءوا به، فلم ينجع بهم لما يؤملونه من فرعون وهم لم يروا بعد من موسى شيئا «قالُوا» كف عنا ما تقول «يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ» عصاك أو غيرها مما عندك من أنواع السحر «وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ 115» ما عندنا من أصناف السحر، وإما هنا بكسر الهمزة لأنها للتخيير وهكذا تكون مكسورة في الشرط والشك أيضا، ومفتوحة في الأمر والنهي والخبر، وإنما قدموه وجعلوا له الخيار في التقديم للإلقاء تأدبا معه لما علموا منه أثناء المفاوضة أنه على علم عظيم ومناظرة مفحمة، حتى أنهم لولا الخوف من فرعون لما ناظروه إذ حصل لهم شبه اليقين أنه ليس بساحر ولذلك منّ الله عليهم بالإيمان والهداية، مكافأة لاحترامهم نبيه موسى وتأدبهم معه، وإنما أمرهم أن يتقدموا عليه بالإلقاء بإلهام من الله لظهور معجزته وبيان غلبه «قالَ أَلْقُوا» ما عندكم إن كنتم