تعالى من جملة خلقه فقد كفر، ومن جمع بين الخلق والأمر فقد كفر فالخلق راجع لما ذكره من السموات والأرض والأفلاك، والأمر هو كلامه يأمر هذه المخلوقات وغيرها بما أراد كاملا، وكيف يكون من خلقه لها نقص أو زيادة وهو «تَبارَكَ» وتعالى «اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ 54» أجمع وخالقهم ورازقهم ومدير أمورهم. راجع بحث خلق القرآن في المقدمة تعلم أن كلامه منزه ومقدس عن أن يكون مخلوقا. قال في بدء الامالي:
وما القرآن مخلوقا تعالى ... كلام الرب عن جنس المقال
وهذا ولما اخبر جل اخباره بأنه المنفرد بالخلق والأمر أمر عباده أن يتذللوا اليه لكشف مهماتهم فقال «ادْعُوا رَبَّكُمْ» أيها الخلق «تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» بما ترونه من مصالحكم الدنيوية والاخروية ولا تتجاوزوا فيها الى مضرة غيركم فتعتدوا «إِنَّهُ» ربكم الذي يجيب دعائكم «لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 55» في الدعاء على الغير أو بطلب ما لا يليق بالداعي من المقامات، لأن الدعاء على الغير من غير ظلم منه تعد وطلب ما لا يليق اعتداء، ومن الاعتداء رفع الصوت لما فيه من قلة الأدب مع المولى ومجاوزة الحد في كل شيء اعتداء. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الاشعري قال كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال صلّى الله عليه وسلم: أيها الناس اربعوا «أي ارفقوا بأنفسكم واقصروا عن الصياح في الدعاء» على أنفسكم انكم لا تدعون أصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا بصيرا وهو معكم، والذي تدعونه أقرب الى أحدكم من عنق راحلته. قال أبو موسى وأنا خلفه أقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم في نفسي فقال يا عبد الله ابن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله، قال:
لا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
مطلب آداب الدعاء والقراءة:
وقال تعالى في الآية 3 من سورة مريم الآتية «إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا» أي بما يسمع نفسه وهذا الحد كان في الدعاء كنفس الداع أما إذا كان الناس