وما أودع فيها من الداء والدواء في نباتها ومعادنها، أي لا نجعل الصالحين المصلحين «كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ» الذين لا يفقهون شيئا من ذلك ولا يتدبرون مراد الله فيهما وما فيهما، وفضلا عن هذا يزعمونها باطلا، كلا لا يجعلهم الله سواء في الدنيا ولا في الآخرة «أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ» ما نهوا عنه الملازمين ما أمروا به لأن الخير كل الخير في التقوى وما أحسن ما قيل فيها:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقيّ هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بدّ أن يأتي قريب ... ولكنّ الذي يمضي بعيد
أي لا نجعل هؤلاء المتقين أبدا «كَالْفُجَّارِ 28» في الآخرة وان اتفقا في بعض الأشياء في الدنيا فبينهما في الآخرة بون شاسع، فهذا التقي يكون في عليين، وذلك الشقي في سجين، وهذا منعم، وذاك معذب «وأم» هذه والتي قبلها منقطعة وتقدر ب (بل) لأنها تفيد الإضراب والانتقال، والهمزة لإنكار التسوية بين الفريقين وتعيينها على أبلغ وجه وهذا القرآن العظيم هو «كِتابٌ» كثير البركة والخير «أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل «مُبارَكٌ» جليل النفع في الدنيا والآخرة فأمر قومك «لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ» فيعرفوا أسرار التكوين والتشريع منها «وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ 29» فيه بأنا لم ننزله إلا لهذه الغاية كما انا لم نخلقهم إلا للعبادة ونظير هذه الآية الآية 155 من الأنعام والآية 50 من الأنبياء في ج 2. قال تعالى «وَوَهَبْنا لِداوُدَ» زيادة على نعمنا السابقة «سُلَيْمانَ» خلفا له في نبوته وملكه ونعم الهبة الولد الصالح وهو «نِعْمَ الْعَبْدُ» المخصوص بالمدح هو سليمان عليه السلام وبعض المفسرين جعل المخصوص بالمدح داود وهو أهل للمدح إلا أن القول به غير سديد لأن سياق الآية ينفيه، وما بعده لا يقتضيه، لأن عود الاختصاص لا قرب مذكور هو المشهور، وإن الله مدح داود قبل، وإن قوله «إِنَّهُ أَوَّابٌ 30» يصلح رجوعه إلى كل منهما وإن كانت بحسب الواقع تنصرف للقريب أيضا، ومعناه كثير الرجوع إلى ربه بالتوبة والندم الذي ديدنه الالتجاء