التفكر بأن من قدر على الإنشاء لا تعبيه الإعادة بل هو على الإعادة أقدر «مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ 15» بعد الموت، وقيل إن هذه الآية عامة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهي أن الله تعالى يعدم كل موجود في كل لحظة ويحييه وهذا معنى التجدد، وأما في الآخرة فإنه يحيي من أماته إلى الحساب والجزاء ولا يعظم هذا على الله، كيف وهو يقول «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ» من الخطرات والهواجس الحادثة الآن والتي ستحدث بعد في قلبه، لا يخفى علينا شيء من ضمائره، وكيف تخفى علينا «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ 16» العرق الذي يجري فيه الدم المتصل بكل جزء من أجزاء الإنسان، وهو بين الحلقوم والمري، ولذلك سمي وربدا، واذكر لهم يا محمد «إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ» الملكان الموكلان بكل نفس يكتبان ما تعمل من الخير والشر ويحفظانه إلى يوم الحساب أحدهما «عَنِ الْيَمِينِ» يكتب الحسنات «وَعَنِ الشِّمالِ» الآخر يكتب السيئات «قَعِيدٌ 17» كل منهما بمحله لا يفارقه طرفة عين، وقد اكتفى بذكر أحدهما عن الآخر كقوله:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الهوان رماني
أي وكان والدي بربئا. وقوله:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف أي نحن راضون، وهنا يكون عن اليمين قعيد أيضا إذ الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه وبالعكس من أبواب البلاغه وسمي احتباكا وهو فضلا عن أنه لا يخل بالمعنى فلا يخفى على بصير، ولفظ قعيد يدل على الملازمة فهو أبلغ من قاعد ولهذا قال تعالى «ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ» يقوله الإنسان «إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ» يراقبه لا يبرح عنه «عَتِيدٌ 18» تهيأ لتدوين ما يخرج من فيه، وهذان الملكان لا يفارقان الإنسان إلا عند الغائط والجماع، ولذلك يكره الكلام في هاتين الحالتين لئلا يؤذيهما في كتابة ما يقع منه فيهما لأنهما لا يهملان شيئا حتى أنينه في المرض ليثيبه الله عليه. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي أمامه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: