responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 272
بين نفي أمر معين في مكان معين وزمان معين، وإثباته في هذه الحال، فإن انتفى بالدليل كان ذلك حكمًا بوجود نقيضه.
فدليل الخلف أن يبطل النقيض فيثبت الحق، وأنَّ القرآن الكريم يتَّجه في استدلاله إلى إبطال ما عليه المشركون، فيبطل عبادة الأوثان، فيثبت التوحيد.
ومن ذلك الاستدلال على التوحيد قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] ، هنا نجد الاستدلال القرآني اتجه إلى إثبات الوحدانية بدليل قياس الخلف، وتقرير الدليل من غير أن تتسامى إلى مقام البيان القرآني، كما يسوقه علماء الكلام، هكذا: لو كان في السماوات والأرض إله غير الله لتنازعت الإرادتان بين سلب وإيجاب، وإن هذا التنازع يؤدي إلى فسادهما لتخالف الإرادتين، ولكنهما صالحان غير فاسدين، فبطل ما يؤدي إلى الفساد، فكانت الوحدانية، فسبحان الله رب العرش عما يصفون. ويسمى علماء الكلام هذا الدليل دليل التمانع، أي: امتنعت الوثنية لامتناع الفساد، فكانت الوحدانية.
ومن القياس الذي يعتبر قياس الخلف قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] ، أي: وإنَّ ذلك باطل، فما يؤدي إليه باطل، وبذلك ثبت التوحيد.
ومن قياس الخلف قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: 42] ، وهذا أيضًا من قبيل فرض التمانع الذي يؤدي إلى الفساد، ولا فساد، فيبطل ما يؤدي إليه.
ومن قياس الخلف في إثبات أن القرآن من عند الله -سبحانه وتعالى- قوله تعالت كلماته: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] وإذا ثبت أنه ليس فيه اختلاف، ولا تضارب في مقرراته ولا عباراته، فإنه يثبت النقيض، وهو أنه من عند الله تعالى.
ونرى أنه في كل هذه الآيات البينات كان إثبات المطلوب بإبطال نقيضه، وقد أشرنا إلى ذلك في كل آية مما تلونا.
ثم إنَّك ترى مع هذا القياس الذي واجه المخاطبين بإبطال ما يدعون ليثبت ما يدعوهم إليه الرسول، معنى ساميًا قويًّا، وهو مهاجمة المخالفين بإبطال ما عندهم، وأنه ليس من القول الذي يقام له دليل، وإن ذلك يوهنهم وينهنه من قوتهم، ولذلك كانوا يشكون من النبي؛ لأنه يسفه أحلامهم، ويصغّر من أصنامهم.

اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 272
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست