responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 270
ونقول في الإجابة عن ذلك: إننا نعلو بمنهاج القرآن عن الخطابة، وإن كان يسلك بعض مناهج الخطابة في الاستدلال، وعلوّ القرآن في هذه الحال بأسلوبه أولًا، فهو كيفما كان من نوع الكلام المعجز، وثانيًا: القرآن يعلو عن الخطابة في أن كل مقدماته ونتائجه يقينية، ولا ينبع شيء منها إلّا من اليقين، وقد لام على مخالفيه أنهم يتبعون الظن، وإن هم إلَّا يخرصون.
ونعود من بعد ذلك إلى الاعتراض الذي يرد على الخاطر، وإن كان لا يرد في الموضوع، فنقول: إنَّ الناظر المستقرئ لأدلة القرآن يرى أكثرها قد حذفت فيه إحدى المقدمات، ولقد قال الغزالي بحق:
إن القرآن مبناه الحذف والإيجاز "أي: في شكل الأقيسة" واقرأ قوله تعالى يرد على النصارى الذين يزعمون أنَّ عيسى ابن الله؛ لأنه خلق من غير أب: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: 59، 60] .
ولا شكَّ أن المثل الذي ساقه الغزالي، واضح فيه حذف إحدى المقدمات، وواضح المقايسة بين خلق آدم -عليه السلام- وخلق عيسى -عليه السلام، وأنه إذا كان الخلق من غير أب مبررًا لاتخاذ عيسى إلهًا، فأولى أن يكون الخلق من غير أب ولا أم مبررًا لاتخاذ آدم إلهًا، ولا أحد يقول ذلك.
وإننا نجد أنه قد حذفت مقدمة وبقيت واحدة، وكأن سياق الدليل لو في غير كلام الله تعالى يكون هكذا: إن آدم خلق من غير أب ولا أم، وعيسى خلق من غير أب، فلو كان عيسى إلهًا بسبب ذلك لكان آدم أولى، لكن آدم ليس ابنًا ولا إلهًا باعترافكم، فعيسى أيضًا ليس ابنًا ولا إلهًا.
وإن الحذف قد صيَّر في الكلام طلاوة، وأكسبه رونقًا، وجعل الجملة مثلًا مأثورًا، يعطي حجة في الرد على النصارى، ويذكر الجميع بأنَّ آدم والناس جميعًا ينتهون إليه، وإنما خلق من تراب، فلا عزة إلا لله تعالى.
155- وقد يساق الدليل في قصة، وقد ذكرنا من قبل مقام القصص القرآن في هذا المقام، ونقول: إنَّ القرآن اتخذ القصص سبيلًا للإقناع والتأثير، وضمن القصة الأدلة على بطلان ما يعتقد المشركون وغيرهم، وقد يكون موضوع القصة رسولًا يعرفونه ويجلونه؛ إذ يدعي المجادلون أنهم يحاكونه ويتبعونه، فيجيء الدليل على لسانه، فيكون ذلك أكثر اجتذابًا لأفهامهم وأقوى تأثيرًا، وقد يكون مفحمًا ملزمًا إن كانوا يجادلون غير طالبين للحق.

اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 270
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست