اسم الکتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 343
باعوه؛ أي: ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوُضع المصدر موضع اسم المفعول، كقول الله سبحانه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [1] أي: مصيده، وكقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [2] أي: المخلوق، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الراجع في هبته ... " أي: في موهوبه، وهذا الثوب نسْج اليمن، أي: منسوجه؛ وذلك أن الأفعال لا يمكننا إعادتها. ومنه قولهم: غفر الله لك عِلْمَه فيك؛ أي: معلومه. ومنه قولهم: هذا الدرهم ضَرْب الأمير؛ أي: مضروبه.
والآخر: أن تكون الباء غير زائدة للتوكيد كالوجه الأول؛ لكنها كالتي في قولك: هذا الثوب بمائة درهم، وهذا العبد بألف درهم؛ أي: هذا بهذا، فيكون معناه: ما هذا بثمن؛ أي: مثله لا يُقَوَّم ولا يُثَمَّنُ، فيكون "الشِّري" هنا يراد به المفعول به؛ أي: الثمن المشترَى به، كقولك: ما هذا بألف، وهو نفي قولك: هذا بألف، فالباء إذن متعلقة بمحذوف هو الخبر، مثلها كقولك: كُرُّ[3] البر بستين، ومنوَا[4] السمن بدرهم.
ومن ذلك ما رُوي عن عمر أنه سمع رجلًا يقرأ: "عَتَّى حِينٍ"[5]، فقال: مَن أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله عز وجل أنزل هذا القرآن فجلعه عربيًّا، وأنزله بلغة قريش، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.
قال أبو الفتح: العرب تُبْدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج، كقولهم: بُحْثِر ما في القبور؛ أي: بعثر، وضبعت الخيل؛ أي: ضبحت[6]، وهو يُحنْظِي ويُعَنْظِي: إذا جاء بالكلام الفاحش، فعلى هذا يكون عتَّى وحتَّى؛ لكن الأخذ بالأكثر استعمالًا، وهذا الآخر جائز وغير خطأ "82ظ".
ومن ذلك قراءة ابن مسعود: "إنِّي أَرانِي أَعْصِرُ عِنَبًا"[7].
قال أبو الفتح: هذه القراءة هي مراد قراءة الجماعة: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} ؛ وذلك أن [1] سورة المائدة: 96. [2] سورة الروم: 27. [3] الكر: ستة أوقار حمار، أو هو ستون قفيزًا، أو أربعون أردبًّا. [4] المنون: مثنى المنا؛ وهو كيل أو ميزان. [5] سورة يوسف: 35. [6] ضبحت الخيل كمنع: أسمعت من أفواهها صوتًا ليس بصهيل ولا حمحمة، أو عدت دون القريب. [7] سورة يوسف: 36.
اسم الکتاب : المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها المؤلف : ابن جني الجزء : 1 صفحة : 343