اسم الکتاب : العزف على أنوار الذكر المؤلف : محمود توفيق محمد سعد الجزء : 1 صفحة : 117
وإذا ما كان مشتبه النظم قد لقى عناية بالغة من أهل العلم قديماً وحديثاً، فقد غلب على كثير منهم ملاحظته واستبصاره فى سياقه الجزئى الذى هو خطوة إلى أمد أبعد، وقليل من أولئك من مد استبصاره وتدبره مشتبه النظم فى ضوء السياق الكلى للسورة ملاحظاً سلطان المقصود الأعظم، وما ذلك إلاَّ لخفاء ذلك السلطان على مشتبه النظم فى المعانى الجزئية التى يغلب أن يكون نظمها نظماً تركيباً بخلاف سلطان المقصود الأعظم على سياق المعانى الكلية ومشتبه النظم الترتيبي فيها، فإنَّه أجلى منه فى التركيب، وبهذا يتبين لك أنَّ مشتبه النظم فى المعانى الجزئية غيره مشتبه النظم فى المعانى الكليّة التى هى معاقد السورة ونجومها الكبرى.
ذلك أنَّ النظم القرآنيّ الكريم ضربان:
- نظم تركيبيّ
- ونظم ترتيبيّ
الثانى منهما مرتب على الأول، والتركيبيّ مجاله المعانى الجزئية التى هى عناصر بناء المعانى الكلية، والترتيبيّ مجاله المعانى الكلية التى هى عناصر بناء السورة كلها، والنظم التركيبى أقرب إدراكاً لأنَّ معالمه أجلى للبصائر، واشتغال أهل العلم به،ولا سيما النحاة والبلاغيون والمفسرون أعظمُ، بل إنَّ أغلبَهم قصر سعيه فى ميدانه.
والنظم الترتيبيّ أبعد، ُوأعسرُ إدراكاً؛ لأنَّ معالمه أخفى، وقليل من أهل العلمِ مَنْ عُنِى بترتيب المعانى الكليّة وبمنهجِ بنائها لإقامة السورة القرآنية كلها. (1)
يقول الله - سبحانه وتعالى - في سورة (آل عمران) :
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)
ويقول - عز وجل - في سورة (الحديد) :
(1) - كان برهان الدين البقاعى من أبرز وأكثر أهل العلم اعتناء بالنظم الترتيبى فى القرآن الكريم وبملاحظة السلطان المقصود الأعظم على مشتبه النظم التركيبى مثل ملاحظة سلطانه على مشتيه النظم الترتيبيّ.
اسم الکتاب : العزف على أنوار الذكر المؤلف : محمود توفيق محمد سعد الجزء : 1 صفحة : 117