اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 91
فيرى الزمخشري أن التصور القرآني للتمثيل الثاني أقوى منه في التمثيل الأول، لأن الثاني أدل على كثرة الحيرة وشدة الأمر.
ولست معه فيما ذهب إليه؛ فكلًا التمثيلين يدل على القدر نفسه من الحيرة وشدة الأمر بدون زيادة أو نقصان في بلاغة الإعجاز القرآني؛ لأن كل صورة قرآنية بلغت حد الإعجاز، فلا تهبط صورة عن أخرى، ولا تعلو صورة عن غيرها، بل الجميع في حد الإعجاز سواء.
والحيرة وشدة الأمر سواء في الصورتين، فأما الصورة الأولى: فنجد فيها الحيرة الشديدة وشدَّة الأمر، والقلق العنيف، والخوف والرهبة، وشدة المعاناة التي يعانيها الإنسان في ظلمات الليل وهو يبحث عن وسائل الضياء، فهو بنفسه يبحث عن الوقود والشرارة، كما يستفاد من الألف والسين والتاء في "استوقد"، وبعد لأي أوقد نارًا ضئيلة لا تسمن ولا تغني، فإذا بالضوء الخافت يذهبه الله تعالى، لأنها ليست نارًا كسائر النيران، بل دون ذلك بكثير، وإذا كان الله هو المعاقب، فهو شديد العقاب، فقد تركهم في ظلمات بعضها فوق بعض بعد أن كانوا في ظلام واحد، وليس بعد ذلك من حيرة ولا أمر أشدّ وأعنف؛ لأن المنافق هنا جد وعمل بنفسه لتبديد وحشته من قسوة ما يعانيه، وعنفه.
وأما الصورة الثانية: فنجد الحيرة الشديدة وشدة المعاناة بالمقدار ذاته؛ فالمنافق لم يبذل جهدًا في تبديد الوحشة والظلمة؛ لأن الصيب والصواعق والرعد والبرق من قبل الله -عز وجل، وموقف المنافق هنا موقف الذي يتقي الصواعق بوضع أصابعه في أذنه، وينتهز الفرصة من حين لآخر فيمشي وقت انخطاف البرق؛ ليقف بعد ذلك، وهكذا فهو قائم لا يقعد أبدًا؛ فتعدد وسائل الحيرة هنا من الصيب والرعد والبرق،
اسم الکتاب : التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية المؤلف : علي علي صبح الجزء : 1 صفحة : 91