اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 197
{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} .
ثم ماذا؟
هنا نجد فجوة من فجوات القصة؛ فجوة فنية كبرى، تترك للخيال يتصورها كما يهوى. ثم تمضي القصة في طريقها، لنرى هذه العذراء المسكينة في موقف آخر أشد هولًا:
{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} .
وهذه هي الهزة الثانية.
فلئن كانت في الموقف الأول تواجه الحصانة والتربية والأخلاق، بينهما وبين نفسها، فهي هنا وشيكة أن تواجه المجتمع بالفضيحة؛ ثم هي تواجه آلامًا جسدية بجانب الآلام النفسية، تواجه الألم الجسمي الحاد الذي "أجاءها" إجاءة إلى جذع النخلة، وهي وحيدة فريدة، تعاني حيرة العذراء في أول مخاض، ولا علم لها بشيء، ولا معين لها في شيء. فإذا هي قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} فإننا لنكاد نرى ملامحها، ونحس اضطراب خواطرها، ونلمس مواقع الألم فيها:
{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} .
اسم الکتاب : التصور الفني في القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 197