للحيض والطهر، اجتهد في المراد منهما بالأمارات الدالة عليه. فما ظنه فهو مراد الله تعالى في حقه.
وإن لم يظهر له شيء، فهل يتوقف أو يأخذ بالأغلظ أو يأخذ بالأخف؟ والتوقف أحب إليَّ.
والأصل أن[1] النصوص القرآنية تُحمل على ظواهرها, ولا يعدل عن ذلك إذا تعذر الحمل على الظاهر وبقرينة.
وأما إلغاء ظواهرها وادعاء بواطن لها تخالف الظاهر، فكفر صريح[2].
نعم! وفي الحديث: "إن للقرآن ظاهرًا وباطنًا، وحدًّا ومطلعًا".
وهذا كله لا يخالف بعضه بعضًا. فإذا قيل: إن تحت كلمات القرآن أسرارًا لا تعارض ظواهرها، إلا أنها أعمق، قبلنا ذلك؛ حيث لا تعارض بين الباطن والظاهر: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} .
ويختص الراسخون في العلم بمعرفة ما يأتي:
1- ما يضر ذكره بأكثر المستمعين كالإفصاح عن الآجال، وقد فهم ابن عباس رضي الله عنهما نعي النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة بقول الله جل شأنه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} .
2- ما يدق فهمه ويصعب إدراكه على العامة؛ كالحديث عن الروح في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} وقوله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} . [1] هذه القاعدة ذكرها العلامة النفسي في متن العقائد النسفية، وإليك ما يقوله شارحها سعد الدين التفتازاني: والنصوص من الكتاب والسنة تُحمل على "ظواهرها" ما لم يصرف عنها دليل قطعي؛ كما في الآيات التي تشعر ظواهرها بالجهة والجسيمة ونحو ذلك.
لا يقال: هذه ليست من النص؛ بل هي من المتشابه؛ لأنا نقول: المراد بالنص هاهنا ليس ما يقابل الظاهر والمفسر والمحكم؛ بل ما يعم أقسام النظم على ما هو المتعارف. [2] العدول عن الظواهر إلى معانٍ يدعيها أهل الباطن، وهم الملاحدة، وسموا بالباطنية؛ لادعائهم أن النصوص ليست على ظواهرها؛ بل لها معانٍ باطنة، لا يعرفها إلا المعلم. وقصدهم بذلك نفي الشريعة بالكلية، وهذا إلحاد؛ أي: ميل وعدول عن الإسلام، وضلال واتصاف بكفر؛ لكونه تكذيبًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيما علم مجيئه به بالضرورة.