الكائنات. فكل الآيات القرآنية العادّة لنِعم الأشياء والمذكِّرة لفوائدها مظاهرُ لهذا الدليل. فكلما أمر القرآن الكريم بالتفكر فانما أشار مخاطباً للعموم الى طريق هذا الاستدلال (فَارجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [1] ثم ان الذي يومئ الى هذا الدليل من هذه الآية قوله تعالى: (الذي جَعَلَ لَكُمْ الارْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَاَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَاَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ) .
وأما الدليل الاختراعيّ المشار اليه بقوله تعالى: (اَلَّذي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فهو:
ان الله تعالى اعطى لكل فرد ولكل نوع وجوداً خاصاً هو منشأ آثاره المخصوصة، ومنبع كمالاته اللائقة؛ اذ لانوع يتسلسل الى الازل لإِمكانه، ولبطلان التسلسل، ولان هذا التغير في العالم يثبت حدوث بعض بالمشاهدة، وبعض آخر بالضرورة العقلية. ثم انه قد ثبت بعلم الحيوانات والنباتات تكثّر الأنواع الى أزيد من مائتي الف نوع ولكل نوع آدم وأب عال. فبسر الحدوث والامكان يثبت بالضرورة صدور تلك الاوادم والآباء للانواع عن يد القدرة الإلهية بلا واسطة. ولا يُتوهم فيها ما يتوهم في السلسلة. وتوهم انشقاق الأنواع بعضها عن بعض باطل، لأن النوع المتوسط لا يتسلسل بالتناسل في الأكثر فلا يكون رأس سلسلة. فاذا كان المبدأ والأصل هكذا، فأجزاء السلسلة كذلك بالطريق الأولى.
نعم كيف يُتصور ان تكون الأسباب الطبيعية البسيطة الجامدة التي لاشعور لها ولا اختيار قابلة لإِيجاد تلك السلاسل التي تحيرت الأفهام فيها، ولاختراع أفرادها التي كل منها صنعة عجيبة من معجزات القدرة. فكل الأفراد مع سلاسلها تشهد بلسان حدوثها وامكانها شهادة قاطعة على وجوب وجود خالقها جل جلاله.
"ان قلت: فمع هذه الشهادة القاطعة كيف يعتقد الانسان بأمثال ضلالات ازلية المادة وحركتها؟.
قيل لك: ان النظر التبعيّ قد يُري المحالَ ممكناً، كالمستهلّ الذي رأى الشعرة البيضاء من اهدابه هلال العيد؛ لأن الانسان بسبب جوهره العالي وماهيته المكرمة انما يدور خلف الحق والحقيقة. وانما يقع الباطل والضلال في يده بلا اختيار ولادعوة ولا تحرٍّ [1] سورة الملك: 3.