اسم الکتاب : أسرار ترتيب القرآن المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 148
سورة الجن والمزمل
...
سورة الجن:
أقول: قد فكرت مدة في وجه اتصالها بما قبلها، فلم يظهر لي سوى أنه [سبحانه] [1] قال في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} "نوح: 10، 11"، وقال في هذه السورة [لكفار مكة] [2]: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} "16"، وهذا وجه بيِّن في الارتباط[3].
سورة المزمل:
أقول: لا يخفى وجه اتصال أولها: {قُمِ اللَّيْلَ} "2" بقوله في آخر تلك: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} "الجن: 19"، وبقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} "الجن: 18"[4]. [1] ما بين المعقوفين إضافة من "ظ". [2] ما بين المعقوفين إضافة من "ظ". [3] ومن المناسبة بين السورتين: أنه تعالى ذكر في نوح: {رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} "نوح: 21"، ومضى في بيان كفرهم وضلالهم، إلى أن دعا عليهم نوح، ثم بيَّن أول الجن: أنهم كالإنس في الإيمان والكفر، وأن لكفار الجن اتصالًا بكفار الإنس، فقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} "الجن: 6"، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} "الجن: 11"، {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} "الجن: 14" الآية، فكانت هذه السورة لبيان الصلة بين الجن والإنس، وبيان المقارنة بينهما. [4] ومن المناسبة أنه تعالى لما قال في نهاية الجن: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} "الجن: 26، 27" افتتح المزمل بذكر بداية إرسال النبي -صلى الله عليه وسلم- وما كلف به من شعائر العبودية والعبادة والدعوة؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بين يدي الساعة كما جاء في السُّنة، وقد قال تعالى في الجن: {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُون} "الجن: 25"، فكأنه قال: هذه المزمل علم من أعلامها، فهو الذي ارتضاه الله ليظهره على غيبه، وأنه بين يدي الساعة.
اسم الکتاب : أسرار ترتيب القرآن المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 148