responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 642
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إذَا هَلَكَ وَعَمِيَتْ قِيمَتُهُ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ الثِّقَةُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ضَمَانَ الرَّهْنِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ مُتَأَوِّلٌ قَوْلَهُ "وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقْضِيَ بِتَأْوِيلِ الرَّاوِي عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الرَّاوِيَ لِلْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَجَعَلَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ أَنَّهُ فِي الْأَمْوَالِ حُجَّةً فِي أَنْ لَا يُقْضَى فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، وَقَضَى بِقَوْلِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ أَنَّهُ بِقِلَالِ هَجَرَ عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا أَنَّهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ قَاضِيًا عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ; فَلَزِمَهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَاضِيًا عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ قَوْلُهُ: "وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" ثَابِتًا عَنْهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ "لَهُ غُنْمُهُ" أَنَّ لِلرَّاهِنِ زِيَادَتَهُ "وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" يَعْنِي دَيْنَهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ; وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الدَّيْنِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ، ثُمَّ فَسَّرَهُ، فَقَالَ: لِصَاحِبِهِ يَعْنِي: لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ يَعْنِي: زِيَادَتَهُ; فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ عَيْنِ الرَّهْنِ لِإِنْمَائِهِ وَزِيَادَتِهِ، وَأَنَّ دَيْنَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ "وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" كَقَوْلِهِ "وَعَلَيْهِ دَيْنُهُ". فَإِذًا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَضْمُونٍ، بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" إذَا أَرَادَ بِهِ حَالَ بَقَائِهِ عِنْدَ الْفِكَاكِ وَإِبْطَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ اسْتِحْقَاقِ مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ، قَدْ حَوَى مَعَانِيَ: مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ هُوَ، لِإِبْطَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَهُمْ وَإِجَازَتِهِ الرَّهْنَ. وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا كَانَ شَرْطُ صِحَّتِهِ الْقَبْضَ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ثُمَّ لَمْ تُفْسِدْهُ الشُّرُوطُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ مِنْ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فِي أَنَّ الشُّرُوطَ لَا تُفْسِدُهَا، لِاجْتِمَاعِهَا فِي كَوْنِ الْقَبْضِ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا. وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ عُقُودَ التَّمْلِيكَاتِ لَا تُعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ; لِأَنَّ شَرْطَهُمْ لِمِلْكِ الرَّهْنِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَانَ تَمْلِيكًا مُعَلَّقًا عَلَى خَطَرٍ وَعَلَى مَجِيءِ وَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ التَّمْلِيكِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي سَائِرِ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ وَالْبَرَاءَةِ فِي امْتِنَاعِ تَعَلُّقِهَا عَلَى الْأَخْطَارِ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ: "إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ وَهَبْت لَك الْعَبْدَ" أَوْ قَالَ: "قَدْ بِعْتُكَهُ" إنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْمِلْكُ; وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: "إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِمَّا لِي

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 642
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست