responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 641
الرَّهْنُ". وَتَأَوَّلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ لِلرَّهْنِ إذَا ضَاعَ: قَدْ غَلِقَ الرَّهْنُ، إنَّمَا يُقَالَ غَلِقَ، إذَا اسْتَحَقَّهُ الْمُرْتَهِنُ فَذَهَبَ بِهِ; وَهَذَا كَانَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ". وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ غَلِقَ الرَّهْنُ إذَا ذَهَبَ بِغَيْرِ شَيْءٍ; قَالَ زُهَيْرٌ:
وَفَارَقْتُك بِرَهْنٍ لَا فِكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فَأَمْسَى رَهْنُهَا غَلَقَا
يَعْنِي: ذَهَبَتْ بِقَلْبِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
فَهَلْ يَمْنَعُنِي ارْتِيَادُ الْبِلَادِ ... مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِينِ
عَلَيَّ رَقِيبٌ لَهُ حَافِظٌ ... فَقَلَّ فِي امْرِئٍ غَلْقُ مُرْتَهَنِ
فَقَالَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي: "فَقَلَّ فِي امْرِئٍ غَلْقُ مُرْتَهِنِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَمُوتُ فَيَذْهَبُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: "لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ" يَنْصَرِفُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ عِنْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَالثَّانِي: عِنْدَ الْهَلَاكِ لَا يَذْهَبُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، وَفَصَلَهُ بَعْضُهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَا تَأَوَّلَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ لَهُ زِيَادَتَهُ وَعَلَيْهِ نُقْصَانَهُ; فَإِنَّهُ تَأْوِيلٌ خَارِجٌ عَنْ أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ خَطَأٌ فِي اللُّغَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُرْمَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ هُوَ اللُّزُومُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان: 65] يَعْنِي ثَابِتًا لَازِمًا. وَالْغَرِيمُ: الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ، وَيُسَمَّى بِهِ أَيْضًا الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ، لِأَنَّ لَهُ اللُّزُومَ وَالْمُطَالَبَةَ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: "إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ" فَجَعَلَ الْغُرْمَ هُوَ لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْآدَمِيِّ وَفِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ دَمٍ مُوجِعٍ". وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] وَهُمْ الْمَدِينُونَ; وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} [الواقعة: 66] يَعْنِي مُلْزَمُونَ مُطَالَبُونَ بِدُيُونِنَا. فَهَذَا أَصْلُ الْغُرْمِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ; حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ فِي مَعْنَى الْغُرْمِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ: "أَخْطَأَ مَنْ قَالَ إنَّ هَلَاكَ الْمَالِ وَنُقْصَانَهُ يُسَمَّى غُرْمًا لِأَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي ذَهَبَ مَالُهُ لَا يُسَمَّى غَرِيمًا وَإِنَّمَا الْغَرِيمُ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ لِلْآدَمِيِّ بِدَيْنٍ". وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ "وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" أَنَّهُ نُقْصَانٌ خَطَأٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ هُوَ الْقَائِلُ "لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ" وَلَمْ يَتَأَوَّلْهُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ; لِأَنَّهُ مِنْ مَذْهَبِهِ ضَمَانُ الرهن. وذكر

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 641
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست