responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 633
وَمَا لَا يَسْتَغْنِي الْإِنْسَانُ عَنْ شِرَائِهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ عَنْهُمْ الْإِشْهَادَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ وَإِنْ كَانَ نَدْبًا وَإِرْشَادًا فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْبِيَاعَاتِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى مَا يُخْشَى فِيهِ التَّجَاحُدُ مِنْ الْأَثْمَانِ الْخَطِيرَةِ وَالْأَبْدَالِ النَّفِيسَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْحُقُوقِ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ عَيْبٍ إنْ وَجَدَهُ وَرُجُوعُ مَا يَجِبُ لِمُبْتَاعِيهِ بِاسْتِحْقَاقِ مُسْتَحِقٍّ لِجَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَكَانَ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكِتَابَ وَالْإِشْهَادَ عَلَى الْبِيَاعَاتِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى أَثْمَانٍ آجِلَةٍ وَالْإِشْهَادَ عَلَى الْبِيَاعَاتِ الْحَاضِرَةِ دُونَ الْكِتَابِ. وَرَوَى اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} قَالَ: "إذَا كَانَ نَسِيئَةً كُتِبَ وَإِذَا كَانَ نَقْدًا أُشْهِدَ". وَقَالَ الْحَسَنُ فِي النَّقْدِ: "إنْ أَشْهَدْت فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ فَلَا بَأْسَ"، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} . رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "هِيَ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إلَى الْكَاتِبِ أَوْ الشَّاهِدِ فَيَقُولَ: إنِّي عَلَى حَاجَةٍ، فَيَقُولَ: إنَّك قَدْ أُمِرْت أَنْ تُجِيبَ; فَلَا يُضَارَّ". وَعَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: "لَا يُضَارَّ كَاتِبٌ فَيَكْتُبْ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلَا يُضَارَّ الشَّهِيدُ فَيَزِيدَ فِي شَهَادَتِهِ". وَقَرَأَ "الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ" بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ: "لَا يُضَارَّ" بِفَتْحِ الرَّاءِ. فَكَانَتْ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ نَهْيًا لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَنْ مُضَارَّةِ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى فِيهَا نَهْيُ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ عَنْ مُضَارَّةِ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَصَاحِبُ الْحَقِّ مَنْهِيٌّ عَنْ مُضَارَّةِ الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ بِأَنْ يَشْغَلَهُمَا عَنْ حَوَائِجِهِمَا وَيُلِحَّ عَلَيْهِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِكِتَابِهِ وَشَهَادَتِهِ، وَالْكَاتِبُ وَالشَّهِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْهِيٌّ عَنْ مُضَارَّةِ الطَّالِبِ بِأَنْ يَكْتُبَ الْكِتَابَ مَا لَمْ يُمِلَّ وَيَشْهَدُ الشَّهِيدُ بِمَا لَمْ يَسْتَشْهِدْ. وَمِنْ مُضَارَّةِ الشَّهِيدِ لِلطَّالِبِ الْقُعُودُ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاهِدَانِ، فَعَلَيْهِمَا فَرْضُ أَدَائِهَا وَتَرْكُ مُضَارَّةِ الطَّالِبِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إقَامَتِهَا، وَكَذَلِكَ عَلَى الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ إذَا لَمْ يَجِدَا غَيْرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى فِي التِّجَارَةِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ كَتْبَ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَالْإِشْهَادَ فِيهِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى عُقُودِ الْمُدَايَنَاتِ الْمُؤَجَّلَةِ لَمَّا كَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَكَانَ تَارِكُهُ تَارِكًا لِمَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِمَالِهِ جَازَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} بِأَنْ لَا تَكُونُوا تَارِكِينَ لِمَا نُدِبْتُمْ إلَيْهِ بِتَرْكِ الْكِتَابَةِ، كَمَا تَكُونُونَ تَارِكِينَ النَّدْبَ وَالِاحْتِيَاطَ إذَا لَمْ تَكْتُبُوا الدُّيُونَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 633
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست