responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 632
بِهِ الْعَادَةُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَى كِتَابَتِهِ وَالْإِشْهَادِ فِيهِ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَادَةِ فَطَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ وَغَالِبُ الظَّنِّ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا تَوْقِيفَ فِيهَا وَلَا اتِّفَاقَ. وَقَوْلُهُ: {إِلَى أَجَلِهِ} يَعْنِي: إلَى مَحِلِّ أَجَلِهِ، فَيَكْتُبُ ذِكْرَ الْأَجَلِ فِي الْكِتَابِ وَمَحِلِّهِ كَمَا كَتَبَ أَصْلَ الدَّيْنِ; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمَا أَنْ يَكْتُبَا فِي الْكِتَابِ صِفَةَ الدَّيْنِ وَنَقْدَهُ وَمِقْدَارَهُ; لِأَنَّ الْأَجَلَ بَعْضُ أَوْصَافٍ، فَحُكْمُ سَائِرِ أَوْصَافِهِ بِمَنْزِلَتِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْغَرَضَ الَّذِي أَجْرَى بِالْأَمْرِ بِالْكِتَابِ وَاسْتِشْهَادِ الشُّهُودِ هِيَ الْوَثِيقَةُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُتَدَايِنَيْنِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَرَفْعِ الْخِلَافِ. وَبَيَّنَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِالْكِتَابَةِ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَعْدَلُ وَأَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ فِيهِ بَيْنَهُمْ التَّظَالُمُ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ أَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ; يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ أَثْبَتُ لَهَا وَأَوْضَحُ مِنْهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الرِّيبَةِ وَالشَّكِّ فِيهَا. فَأَبَانَ لَنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ أَمَرَ بِالْكِتَابِ وَالْإِشْهَادِ احْتِيَاطًا لَنَا فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَدَفْعِ التَّظَالُمِ فِيمَا بَيْنَنَا، وَأَخْبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْكِتَابِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لِلشَّهَادَةِ مَا نَفَى عَنْهَا الرَّيْبَ وَالشَّكَّ، وَأَنَّهُ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ مَكْتُوبًا فَيَرْتَابُ الشَّاهِدُ فَلَا يَنْفَكُّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الِارْتِيَابِ وَالشَّكِّ، فَيُقْدِمَ عَلَى مَحْظُورٍ أَوْ يَتْرُكَهَا فَلَا يُقِيمَهَا فَيُضَيِّعَ حَقَّ الطَّالِبِ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا مَعَ زَوَالِ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ إقَامَتُهَا إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا وَإِنْ عُرِفَ خَطُّهُ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْكِتَابَ مَأْمُورٌ بِهِ لِئَلَّا يَرْتَابَ بِالشَّهَادَةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ إقَامَتُهَا مَعَ الشَّكِّ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ الشَّكُّ فِيهَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا فَعَدَمُ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ بِهَا أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهَا.
قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْبِيَاعَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ تَسْلِيمَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ بِلَا تَأْجِيلٍ; فَأَبَاحَ تَرْكَ الْكِتَابِ فِيهَا، وَذَلِكَ تَوْسِعَةٌ مِنْهُ جَلَّ وَعَزَّ لِعِبَادِهِ وَرَحْمَةٌ لَهُمْ لِئَلَّا يَضِيقَ عَلَيْهِمْ أَمْرُ تَبَايُعِهِمْ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْأَقْوَاتِ الَّتِي حَاجَتُهُمْ إلَيْهَا مَاسَّةٌ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي نَسَقِ هَذَا الْكَلَامِ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} وَعُمُومُهُ يَقْتَضِي الْإِشْهَادَ عَلَى سَائِرَ عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ بِالْأَثْمَانِ الْعَاجِلَةِ. وَإِنَّمَا خَصَّ التِّجَارَاتِ الْحَاضِرَةِ غَيْرِ الْمُؤَجَّلَةِ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الْكِتَابِ فِيهَا، فَأَمَّا الْإِشْهَادُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فِي جَمِيعِهَا إلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ الَّذِي لَيْسَ فِي الْعَادَةِ التَّوَثُّقُ فِيهَا بِالْإِشْهَادِ، نَحْوَ شِرَى الْخُبْزِ وَالْبَقْلِ وَالْمَاءِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْإِشْهَادَ فِي شِرَى الْبَقْلِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ كَانَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ لَنُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَنَقَلَهُ الْكَافَّةُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَفِي عِلْمنَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْأَقْوَاتِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 632
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست