responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 610
الشُّبْهَةُ; إذْ كَانَ الدَّيْنُ حَقًّا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْآيَةِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجَازَهَا فِي الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} فَأَجَازَ شَهَادَتَهَا مَعَ الرَّجُلِ عَلَى الْأَجَلِ وَلَيْسَ بِمَالٍ كَمَا أَجَازَهَا فِي الْمَالِ. فَإِنْ قِيلَ: الْأَجَلُ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْأَجَلَ قَدْ يَجِبُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَفِي مَنَافِعِ الْأَحْرَارِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَقَدْ يُؤَجِّلُهُ الْحَاكِمُ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّمِ وَعَلَى دَعْوَى الْعَفْوِ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يُمْكِنُ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ، فَقَوْلُك: "إنَّ الْأَجَلَ لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْمَالِ" خَطَأٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْبُضْعُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِمَالٍ وَلَا يَقَعُ النِّكَاحُ إلَّا بِمَالٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَ فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ.
قَوْله تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ دِيَانَاتِ النَّاسِ وَأَمَانَاتِهِمْ وَعَدَالَتِهِمْ إنَّمَا هِيَ مِنْ طَرِيقِ الظَّاهِرِ دُونَ الْحَقِيقَةِ; إذْ لَا يَعْلَمُ ضَمَائِرَهُمْ وَلَا خَبَايَا أُمُورِهِمْ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَنَا بِاعْتِبَارِهِ مِنْ أَمْرِ الشهود: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَمْرَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ رَأْيِنَا وَمَا يَغْلِبُ فِي ظُنُونِنَا مِنْ عَدَالَتِهِمْ وَصَلَاحِ طَرَائِقِهِمْ. وَجَائِزٌ أَنْ يَغْلِبَ فِي ظَنِّ بَعْضِ النَّاسِ عَدَالَةُ شَاهِدٍ وَأَمَانَتُهُ فَيَكُونُ عِنْدَهُ رِضًى، وَيَغْلِبُ فِي ظَنِّ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِضًى; فَقَوْلُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} مَبْنِيٌّ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ وَأَكْثَرِ الرَّأْيِ. وَاَلَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ أَمْرُ الشَّهَادَةِ أَشْيَاءُ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا الْعَدَالَةُ، وَالْآخَرُ نَفْيُ التُّهْمَةِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَالثَّالِثُ: التَّيَقُّظُ وَالْحِفْظُ وَقِلَّةُ الْغَفْلَةِ. أَمَّا الْعَدَالَةُ فَأَصْلُهَا الْإِيمَانُ وَاجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَمُرَاعَاةُ حُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالْمَسْنُونَاتِ وَصِدْقِ اللَّهْجَةِ وَالْأَمَانَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ. وَأَمَّا نَفْيُ التُّهْمَةِ فَأَنْ لَا يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا أَوْ زَوْجًا وَزَوْجَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَدْ شَهِدَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَرُدَّتْ لِتُهْمَةٍ. فَشَهَادَةُ هَؤُلَاءِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِمَنْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا مَرَضِيَّيْنِ. وَأَمَّا التَّيَقُّظُ وَالْحِفْظُ وَقِلَّةُ الْغَفْلَةِ فَأَنْ لَا يَكُونَ غُفُولًا غَيْرَ مُجَرِّبٍ لِلْأُمُورِ، فَإِنَّ مِثْلَهُ رُبَّمَا لُقِّنَ الشَّيْءَ فَتَلَقَّنَهُ، وَرُبَّمَا جُوِّزَ عَلَيْهِ التَّزْوِيرُ فَشَهِدَ بِهِ. قَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ أَعْجَمِيٍّ صَوَّامٍ قَوَّامٍ مُغَفَّلٍ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلَقَّنَ فَيَأْخُذَ بِهِ، قَالَ: هَذَا شَرٌّ مِنْ الْفَاسِقِ فِي شَهَادَتِهِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِيمَا الْمُحَبِّرُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ هِلَالٍ عَنْ أَشْعَثَ الْحُدَّانِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّ إيَاسًا رَدَّ شَهَادَتِي فَقَامَ مَعَهُ إلَيْهِ فَقَالَ: يَا مَلْكَعَانُ لِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ؟ أَوَ مَا بَلَغَك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ"؟ فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ أَمَا سَمِعْت الله يقول: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ؟ وَإِنَّ صَاحِبَك هَذَا لَيْسَ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 610
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست