responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 607
شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ إذَا كَانُوا عُدُولًا، وَفِي تَخْصِيصِ الْقَرَوِيِّ بِهَا دُونَ الْبَدْوِيِّ تَرْكُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ; وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُمْ مُرَادُونَ بِقَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وبقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْبَدْوِيِّ عَلَى بَدْوِيٍّ مِثْلِهِ عَلَى شَرْطِ الْآيَةِ. وَإِذَا كَانُوا مُرَادِينَ بِالْآيَةِ فَقَدْ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْقَرَوِيِّ مِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَةِ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدْوِيِّ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِدْ بْنِ الْهَادِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ" فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْخَبَرِ لَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجِرَاحِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَرَوِيُّ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ فَقَدْ خَالَفَ الْمُحْتَجُّ بِهِ مَا اقْتَضَاهُ عُمُومُهُ. وَقَدْ رَوَى سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ أَعْرَابِيٌّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَأَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَعْرَابِيٍّ شَهِدَ شَهَادَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهَا مِمَّا يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فَأَخْبَرَ بِهِ، فَنَقَلَهُ الرَّاوِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّبَبِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الشِّرْكُ وَالنِّفَاقُ غَالِبَيْنِ عَلَى الْأَعْرَابِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} [التوبة: 98] فَإِنَّمَا مَنَعَ قَبُولَ شَهَادَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مِنْ الْأَعْرَابِ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ الْأَعْرَابِ بَعْدَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَمَدَحَهُمْ بِقَوْلِهِ: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} [التوبة: 99] الْآيَةَ. فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَهُوَ مَرْضِيٌّ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ.
وَلَا يَخْلُو الْبَدْوِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَرَوِيِّ، إمَّا لِطَعْنٍ فِي دِينِهِ أَوْ جَهْلٍ مِنْهُ بِأَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ وَمَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا مِنْهَا مِمَّا لَا يَجُوزُ; فَإِنْ كَانَ لِطَعْنٍ فِي دِينِهِ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِي بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ الْبَدْوِيِّ وَالْقَرَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ لِجَهْلٍ مِنْهُ بِأَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ عَلَى بَدْوِيٍّ مِثْلِهِ وَأَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فِي الْجِرَاحِ وَلَا عَلَى الْقَرَوِيِّ فِي السَّفَرِ، كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ الْبَدْوِيِّ إذَا كَانَ عَدْلًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَرَوِيِّ وَعَلَى غَيْرِهِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لُزُومَ سِمَةَ الْبَدْوِ إيَّاهُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ عِلَّةٌ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا لَا تُجْعَلُ نِسْبَةُ الْقَرَوِيِّ إلَى الْقَرْيَةِ عِلَّةً لِجَوَازِ

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 607
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست