responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 455
وَمِمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ إيجَابُ مَهْرِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا; لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهَا بُضْعَهَا بِالْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّ عَلَيْهَا تَسْلِيمَ نَفْسِهَا إلَيْهِ، فَعَلَيْهِ لَهَا مِثْلُ مِلْكِهِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ الْبُضْعِ هُوَ قِيمَتُهُ وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَقَدْ عُقِلَ بِهِ وُجُوبُ قِيمَةِ مَا يَسْتَمْلِكَهُ عَلَيْهِ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَكَذَلِكَ مِثْلُ الْبُضْعِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وقَوْله تَعَالَى: {بِالْمَعْرُوفِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا شَطَطَ فِيهِ وَلَا تَقْصِيرَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: "لَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَلَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ" وَقَوْلُهُ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِ نِسَائِهَا وَلَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ" فَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوفُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ. وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا أَنَّ الْمَهْرَ وَاجِبٌ لَهَا; إذْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ شَرَطَ نَفْيَ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ فِي إيجَابِهِ لَهَا مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِمَّا فُضِّلَ بِهِ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34] فَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُفَضَّلٌ عَلَيْهَا بِأَنْ جُعِلَ قَيِّمًا عَلَيْهَا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَسْتَحِقُّ لَهُ التَّفْضِيلُ عَلَيْهَا. وَمِمَّا فُضِّلَ بِهِ عَلَيْهَا مَا أَلْزَمَهَا اللَّهُ مِنْ طَاعَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34] وَمِنْ دَرَجَاتِ التَّفْضِيلِ مَا أَبَاحَهُ لِلزَّوْجِ مِنْ ضَرْبِهَا عِنْدَ النُّشُوزِ وَهِجْرَانِ فِرَاشِهَا. وَمِنْ وُجُوهِ التَّفْضِيلِ عَلَيْهَا مَا مَلَكَ الرَّجُلُ مِنْ فِرَاقِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَمْ تَمْلِكْهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا سِوَاهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ مَا دَامَتْ فِي حِبَالِهِ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ. وَمِنْهَا زِيَادَةُ الْمِيرَاثِ عَلَى قِسْمِهَا. وَمِنْهَا أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى حَيْثُ يُرِيدُ الزَّوْجُ وَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ اتِّبَاعُهَا فِي النَّقْلَةِ وَالسُّكْنَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرُوبٌ أُخَرُ مِنْ التَّفْضِيلِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا، مِنْهَا حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ"، وَحَدِيثُ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصِ ابْنِ أَخِي أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا; وَاَلَّذِي

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 455
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست