responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 106
بَابُ الْقَوْلِ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ
قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْوَسَطُ: الْعَدْلُ، وَهُوَ الَّذِي بَيْن الْمُقَصِّرِ وَالْغَالِي. وَقِيلَ: هُوَ الْخِيَارُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ; لِأَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْخِيَارُ، قَالَ زُهَيْرٌ:
هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ ... إذَا طَرَقَتْ إحدى الليالي بمعظم

بَابُ الْقَوْلِ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ
قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْوَسَطُ: الْعَدْلُ، وَهُوَ الَّذِي بَيْن الْمُقَصِّرِ وَالْغَالِي. وَقِيلَ: هُوَ الْخِيَارُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ; لِأَنَّ الْعَدْلَ هُوَ الْخِيَارُ، قَالَ زُهَيْرٌ:
هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ ... إذَا طَرَقَتْ إحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ

الْأَوَّلِ بَعْدَ غَيْبَتِهِمْ عَنْ حَضْرَتِهِ، لِتَجْوِيزِهِمْ وُرُودَ النَّسْخِ، فَكَانُوا فِي بَقَاءِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ دُونَ الْيَقِينِ، فَلِذَلِكَ قَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي رَفْعِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَلَّا أَجَزْتُمْ لِلْمُتَيَمِّمِ الْبِنَاءَ عَلَى صَلَاتِهِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ كَمَا بَنَى هَؤُلَاءِ عَلَيْهَا بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ قِيلَ لَهُ: هُوَ مُفَارِقٌ لِمَا ذَكَرْت، مِنْ قِبَلِ أَنَّ تَجْوِيزَ الْبِنَاءِ لِلْمُتَيَمِّمِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ وَيُجِيزُ لَهُ الْبِنَاءَ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُود الْمَاءِ، وَالْقَوْمُ حِينَ بَلَغَهُمْ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا إلَيْهَا وَلَمْ يَبْقُوا عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانُوا مُتَوَجِّهِينَ إلَيْهَا، فَنَظِيرُ الْقِبْلَةِ أَنْ يُؤْمَرَ الْمُتَيَمِّمُ بِالْوُضُوءِ وَالْبِنَاءِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لَمْ يَجُزْ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى إنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ لِلْمُتَيَمِّمِ إنَّمَا هُوَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابُ بَدَلٌ مِنْهُ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ عَادَ إلَى أَصْلِ فَرْضِهِ، كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ مَسْحِهِ فَلَا يَبْنِي، فَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ. وَلَمْ يَكُنْ أَصْلُ فَرْضِ الْمُصَلِّينَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ دَخَلُوا فِيهَا الصَّلَاةَ إلَى الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فَرْضٌ لَزِمَهُمْ فِي الْحَالِ. وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا أُعْتِقَتْ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَرَضَ السَّتْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْضٌ لَزِمَهَا فِي الْحَالِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَنْصَارَ حِينَ عَلِمَتْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّاهُ إلَيْهَا اجْتِهَادُهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] ، فَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ بَدَلٍ إلَى أَصْلِ الْفَرْضِ.
وَفِي الْآيَةِ حُكْمٌ آخَرُ، وَهُوَ: أَنَّ فِعْلَ الْأَنْصَارِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَصْلٌ فِي أَنَّ الْأَوَامِرَ وَالزَّوَاجِرَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهَا بِالْعِلْمِ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً ثُمَّ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا تَرَكَ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ، وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ لَا يَتَعَلَّقُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ كَمَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حُكْمُ التَّحْوِيلِ عَلَى الْأَنْصَارِ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ الْخَبَرُ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي أَنَّ الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَوَامِرِ الْعِبَادِ لَا يُنْسَخُ شَيْءٌ مِنْهَا إذَا فَسَخَهَا مَنْ لَهُ الْفَسْخُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِ الْآخَرِ بِهَا. وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ الْأَمْرِ بِهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغَهُ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ قَبْل الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 106
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست