responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 105
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ عِنْدَنَا، بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلُ الْحُكْمِ فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَفِي الْخَائِفِ وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا: أَنَّهُ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَمَتَى أَمْكَنَنَا اسْتِعْمَالُ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ نَسْخٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا الْحُكْمُ بِنَسْخِهَا. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأُصُولِ بِمَا يُغْنِي وَيَكْفِي.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يصلي نَحْوَ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَنَزَلَتْ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أُمِرْتُمْ أَنْ تُوَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" فَحَوَّلَتْ بَنُو سَلِمَةَ وُجُوهَهَا نَحْوَ الْبَيْتِ وَهُمْ رُكُوعٌ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءَ; إذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ، وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إلَى الشَّامِ. وَرَوَى إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: "لَمَّا صُرِفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْكَعْبَةِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} مَرَّ رَجُلٌ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى إلَى الْكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعُوا وَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ مُسْتَفِيضٌ فِي أَيْدِي أَهْل الْعِلْمِ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ فَصَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ الْمُوجِبِ لِلْعِلْمِ، وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْمُجْتَهِدِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا [1]، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا أُعْتِقَتْ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَأْخُذُ قِنَاعَهَا وَتَبْنِي وَهُوَ أَصْلٌ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ; لِأَنَّ الْأَنْصَارَ قَبِلَتْ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُخْبِرِ لَهُمْ بِذَلِكَ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ بِالنِّدَاءِ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَمَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُنَادِيَ بِالنِّدَاءِ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ لَزِمَهُمْ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَمْ يَكُنْ لِأَمْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالنِّدَاءِ وَجْهٌ وَلَا فَائِدَةٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مِنْ أَصْلِكُمْ أَنَّ مَا يَثْبُتُ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ لَا يَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي رَفْعِهِ، وَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ مُتَوَجِّهِينَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرَكُوهُ إلَى غَيْرِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قِيلَ لَهُ:; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يقين من بقاء الحكم

[1] قوله: "ولا يستقبلها" أي يستأنف الصلاة.
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 105
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست