اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 341
الرسول وموكب الإيمان الممتد في شعاب التاريخ البشري، الإيمان الذي يتمثل البشرية كلها منذ نشأتها إلى نهايتها صفين اثنين: صف المؤمنين وصف الكافرين. حزب الله وحزب الشيطان. فليس هنالك صف ثالث على مدار الزمان.
«كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ» ..
والإيمان بالله في الإسلام قاعدة التصور. وقاعدة المنهج الذي يحكم الحياة. وقاعدة الخلق وقاعدة الاقتصاد.
وقاعدة كل حركة يتحركها المؤمن هنا أو هناك.
الإيمان بالله معناه إفراده- سبحانه- بالألوهية والربوبية والعبادة. ومن ثم إفراده بالسيادة على ضمير الإنسان وسلوكه في كل أمر من أمور الحياة.
ليس هناك شركاء- إذن- في الألوهية أو الربوبية. فلا شريك له في الخلق. ولا شريك له في تصريف الأمور. ولا يتدخل في تصريفه للكون والحياة أحد. ولا يرزق الناس معه أحد. ولا يضر أو ينفع غيره أحد.
ولا يتم شيء في هذا الوجود صغيراً كان أو كبيراً إلا ما يأذن به ويرضاه.
وليس هناك شركاء في العبادة يتجه إليهم الناس. لا عبادة الشعائر ولا عبادة الخضوع والدينونة. فلا عبادة إلا لله. ولا طاعة إلا لله ولمن يعمل بأمره وشرعه، فيتلقى سلطانه من هذا المصدر الذي لا سلطان إلا منه.
فالسيادة على ضمائر الناس وعلى سلوكهم لله وحده بحكم هذا الإيمان. ومن ثم فالتشريع وقواعد الخلق، ونظم الاجتماع والاقتصاد لا تتلقى إلا من صاحب السيادة الواحد الأحد.. من الله.. فهذا هو معنى الإيمان بالله.. ومن ثم ينطلق الإنسان حراً إزاء كل من عدا الله، طليقاً من كل قيد إلا من الحدود التي شرعها الله، عزيزاً على كل أحد إلا بسلطان من الله.
«وَمَلائِكَتِهِ» .
والإيمان بملائكة الله طرف من الإيمان بالغيب، الذي تحدثنا عن قيمته في حياة الإنسان في مطلع السورة- في الجزء الأول من الضلال- وهو يخرج الإنسان من نطاق الحواس المضروب على الحيوان ويطلقه يتلقى المعرفة مما وراء هذا النطاق الحيواني وبذلك يعلن «إنسانيته» بخصائصها المميزة [1] .. ذلك بينما هو يلبي فطرة الإنسان وشوقه إلى المجاهيل التي لا تحيط بها حواسه، ولكنه يحس وجودها بفطرته. فإذا لم تلب هذه الأشواق الفطرية بحقائق الغيب- كما منحها الله له- اشتطت وراء الأساطير والخرافات لتشبع هذه الجوعة أو أصيب الكيان الإنساني بالخلخلة والاضطراب [2] .
والإيمان بالملائكة: إيمان بحقيقة غيبية، لا سبيل للإدراك البشري أن يعرفها بذاته، بوسائله الحسية والعقلية المهيأة له.. بينما كيانه مفطور على الشوق إلى معرفة شيء من تلك الحقائق الغيبية. ومن ثم شاءت رحمة الله بالإنسان- وهو فاطره وهو العليم بتكوينه وأشواقه وما يصلح له ويصلحه- أن يمده بطرف من الحقائق الغيبية هذه، ويعينه على تمثلها- ولو كانت أدواته الذاتية قاصرة عن الوصول إليها- وبذلك يريحه من العناء ومن تبديد الطاقة في محاولة الوصول إلى تلك الحقائق التي لا يصلح كيانه وفطرته بدون معرفتها، ولا يطمئن باله ولا يقر قراره قبل الحصول عليها! بدليل أن الذين أرادوا أن يتمردوا على فطرتهم، فينفوا حقائق الغيب [1] يراجع الجزء الأول ص 39- 40 [2] يراجع كتاب: منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب. فصل: «خطوط متقابلة في النفس البشرية» ؟ «دار الشروق» . [.....]
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 341