responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 340
إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا. رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا ... » .
وقد فرض في السورة على المؤمنين القتال وأمروا بالجهاد والإنفاق في سبيل الله لدفع الكفر والكافرين..
وهي تختم بالتجاء المؤمنين إلى ربهم يستمدون منه العون على ما كلفهم، والنصر على عدوهم: «أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» .
إنه الختام الذي يلخص ويشير ويتناسق مع خط السورة الأصيل..
وفي هاتين الآيتين كل كلمة لها موضعها، ولها دورها، ولها دلالتها الضخمة. وهي قائمة في العبارة لتمثيل ما وراءها- وهو كبير- من حقائق العقيدة.. من طبيعة الإيمان في هذا الدين وخصائصه وجوانبه. ومن حال المؤمنين به مع ربهم، وتصورهم لما يريده- سبحانه- بهم، وبالتكاليف التي يفرضها عليهم. ومن التجائهم إلى كنفه واستسلامهم لمشيئته وارتكانهم إلى عونه.. نعم.. كل كلمة لها دورها الضخم. بصورة عجيبة. عجيبة حتى في نفس من عاش في ظلال القرآن، وعرف شيئاً من أسرار التعبير فيه وطالع هذه الأسرار في كل آية من آياته! فلننظر في هذه النصوص بشيء من التفصيل:
«آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ. كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا. غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» ..
إنها صورة للمؤمنين، للجماعة المختارة التي تمثلت فيها حقيقة الإيمان فعلاً. ولكل جماعة تتمثل فيها هذه الحقيقة الضخمة.. ومن ثم كرمها الله- سبحانه- وهو يجمعها- في حقيقة الإيمان الرفيعة- مع الرسول-- صلى الله عليه وسلم- وهو تكريم تدرك الجماعة المؤمنة حقيقته لأنها تدرك حقيقة الرسول الكبيرة وتعرف أي مرتقى رفعها الله إليه عنده، وهو يجمع بينها وبين الرسول- صلى الله عليه وسلم- في صفة واحدة، في آية واحدة، من كلامه الجليل:
«آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ» ..
وإيمان الرسول بما أنزل من ربه هو إيمان التلقي المباشر. تلقي قلبه النقي للوحي العلي. واتصاله المباشر بالحقيقة المباشرة. الحقيقة التي تتمثل في كيانه بذاتها من غير كد ولا محاولة وبلا أداة أو واسطة. وهي درجة من الإيمان لا مجال لوصفها فلا يصفها إلا من ذاقها، ولا يدركها من الوصف- على حقيقتها- إلا من ذاقها كذلك! فهذا الإيمان- إيمان الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو الذي يكرم الله عباده المؤمنين فيجمعهم في الوصف مع الرسول الكريم. على فارق ما بين مذاقه في كيان الرسول- صلى الله عليه وسلم- بطبيعة الحال وكيان أيٍّ سواه ممن لم يتلق الحقيقة المباشرة من مولاه.
فما هي طبيعة هذا الإيمان وحدوده؟
«كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ. وَقالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا. غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» ..
إنه الإيمان الشامل الذي جاء به هذا الدين. الإيمان الذي يليق بهذه الأمة الوارثة لدين الله، القائمة على دعوته في الأرض إلى يوم القيامة، الضاربة الجذور في أعماق الزمان، السائرة في موكب الدعوة وموكب

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 340
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست