responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 312
فتخرجون منه صدقاتكم! بينما هو- سبحانه- يحمد لكم الطيب حين تجرجونه ويجزيكم عليه جزاء الراضي الشاكر.
وهو الله الرازق الوهاب.. يجزيكم عليه جزاء الحمد وهو الذي أعطاكم إياه من قبل! أي إيحاء! وأي إغراء! وأي تربية للقلوب بهذا الأسلوب العجيب! 268- ولما كان الكف عن الإنفاق، أو التقدم بالرديء الخبيث، إنما ينشأ عن دوافع السوء، وعن تزعزع اليقين فيما عند الله، وعن الخوف من الإملاق الذي لا يساور نفساً تتصل بالله، وتعتمد عليه، وتدرك أن مرد ما عندها إليه.. كشف الله للذين آمنوا عن هذه الدوافع لتبدو لهم عارية، وليعرفوا من أين تنبت النفوس وما الذي يثيرها في القلوب.. إنه الشيطان..
«الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ، وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً، وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» ..
الشيطان يخوفكم الفقر، فيثير في نفوسكم الحرص والشح والتكالب. والشيطان يأمركم بالفحشاء- والفحشاء كل معصية تفحش أي تتجاوز الحد، وإن كانت قد غلبت على نوع معين من المعاصي ولكنها شاملة. وخوف الفقر كان يدعو القوم في جاهليتهم لوأد البنات وهو فاحشة والحرص على جمع الثروة كان يؤدي ببعضهم إلى أكل الربا وهو فاحشة.. على أن خوف الفقر بسبب الإنفاق في سبيل الله في ذاته فاحشة..
وحين يعدكم الشيطان الفقر ويأمركم بالفحشاء يعدكم الله المغفرة والعطاء:
«وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا» ..
ويقدم المغفرة، ويؤخر الفصل.. فالفضل زيادة فوق المغفرة. وهو يشمل كذلك عطاء الرزق في هذه الأرض، جزاء البذل في سبيل الله والإنفاق.
«وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» ..
269- يعطي عن سعة، ويعلم ما يوسوس في الصدور، وما يهجس في الضمير، والله لا يعطي المال وحده، ولا يعطي المغفرة وحدها. إنما يعطي «الحكمة» وهي توخي القصد والاعتدال، وإدراك العلل والغايات، ووضع الأمور في نصابها في تبصر وروية وإدراك:
«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً» ..
أوتي القصد والاعتدال فلا يفحش ولا يتعدى الحدود وأوتي إدراك العلل والغايات فلا يضل في تقدير الأمور وأوتي البصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال.. وذلك خير كثير متنوع الألون..
«وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ» ..
فصاحب اللب- وهو العقل- هو الذي يتذكر فلا ينسى، ويتنبه فلا يغفل، ويعتبر فلا يلج في الضلال..
وهذه وظيفة العقل.. وظيفته أن يذكر موحيات الهدى ودلائله وأن ينتفع بها فلا يعيش لاهياً غافلاً.
هذه الحكمة يؤتيها الله من يشاء من عباده، فهي معقودة بمشيئة الله سبحانه. هذه هي القاعدة الأساسية في التصور الإسلامي: رد كل شيء إلى المشيئة المطلقة المختارة.. وفي الوقت ذاته يقرر القرآن حقيقة أخرى:
أن من أراد الهداية وسعى لها سعيها وجاهد فيها فإن الله لا يحرمه منها، بل يعينه عليها: «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» .. ليطمئن كل من يتجه إلى هدى الله أن مشيئة الله ستقسم له الهدى وتؤتيه

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 312
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست