اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 311
ويشمل المعادن والبترول. ومن ثم يستوعب النص جميع أنواع المال، ما كان معهوداً على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- وما يستجد. فالنص شامل جامع لا يفلت منه مال مستحدث في أي زمان. وكله مما يوجب النص فيه الزكاة. أما المقادير فقد بينتها السنة في أنواع الأموال التي كانت معروفة حينذاك. وعليها يقاس وبها يلحق ما يجد من أنواع الأموال.
وقد وردت الروايات بسبب لنزول هذه الآية ابتداء، لا بأس من ذكره، لاستحضار حقيقة الحياة التي كان القرآن يواجهها وحقيقة الجهد الذي بذله لتهذيب النفوس ورفعها إلى مستواه..
روى ابن جرير- بإسناده- عن البراء بن عازب- رضي الله عنه- قال: «نزلت في الأنصار. كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ [1] النخل أخرجت من حيطانها [2] البسر [3] فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين [4] في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف [5] فيدخله مع قناء البسر، يظن أن ذلك جائز. فأنزل الله فيمن فعل ذلك: «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» ..
وكذلك رواه الحاكم عن البراء وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.
ورواه ابن أبي حاتم- بإسناده عن طريق آخر- عن البراء- رضي الله عنه- قال: نزلت فينا. كنا أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته، فيأتي رجل بالقنو، فيعلقه في المسجد. وكان أهل الصفة ليس لهم طعام. فكان أحدهم إذا جاع جاء فضرب بعصاه، فسقط منه البسر والتمر فيأكل، وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص [6] ، فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه، فنزلت: «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» . قال: لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء. فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده.
والروايتان قريبتان. وكلتاهما تشير إلى حالة واقعة في المدينة وترينا صفحة تقابل الصفحة الأخرى التي خطها الأنصار في تاريخ البذل السمح والعطاء الفياض. وترينا أن الجماعة الواحدة تكون فيها النماذج العجيبة السامقة، والنماذج الأخرى التي تحتاج إلى تربية وتهذيب وتوجيه لتتجه إلى الكمال! كما احتاج بعض الأنصار إلى النهي عن القصد إلى الرديء من أموالهم، الذي لا يقبلونه عادة في هدية إلا حياء من رده ولا في صفقة إلا بإغماض فيه أي: نقص في القيمة! بينما كانوا يقدمونه هم لله! ومن ثم جاء هذا التعقيب:
«وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» ..
غني عن عطاء الناس إطلاقاً. فإذا بذلوه فإنما يبذلونه لأنفسهم فليبذلوه طيباً، وليبذلوه طيبة به نفوسهم كذلك.
حميد.. يتقبل الطيبات ويحمدها ويجزي عليها بالحسنى..
ولكل صفة من الصفتين في هذا الموضع إيحاء يهز القلوب. كما هز قلوب ذلك الفريق من الأنصار فعلاً.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ..» .. وإلا فالله غني عن الخبيث الذي تقصدون إليه [1] جذاذ النخل: قطع ثماره. [2] حيطانها: أي بساتينها. [3] البسر: التمر إذا لون ولم ينضج. [4] الأسطوانتين: العمودين. [5] الحشف: أردأ التمر. [.....] [6] الشيص: تمر رديء.
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب الجزء : 1 صفحة : 311