responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 364
اللُّغَةِ، فَيُتَأَوَّلُ وَيُعْلَمُ تَأْوِيلُهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَيُزَالُ مَا فِيهِ مِنْ تَأْوِيلٍ غَيْرِ مُسْتَقِيمٍ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَابَ الْوَاقِعَ فِي مَقَالَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَعْظَمُ أَسْبَابِهِ اخْتِلَافُ أَقْوَالِهِمْ فِي تَحْقِيقِ مَعْنَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا لَكَ مَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَحْقِيقِهِمَا، وَنَزِيدُكَ هَاهُنَا إِيضَاحًا وَبَيَانًا، فَنَقُولُ: إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَوَاتِحَ السُّوَرِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَّضِحَةِ الْمَعْنَى، وَلَا ظَاهِرَةِ الدَّلَالَةِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَنْفُسِهَا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَنْ يَعْلَمُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَيَعْرِفُ عُرْفَ الشَّرْعَ مَا مَعْنَى الم، المر، حم، طس، طسم وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بَيَانَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا مِنْ كَلَامِ الشَّرْعِ، فَهِيَ غَيْرُ مُتَّضِحَةِ الْمَعْنَى، لَا بِاعْتِبَارِهَا نَفْسِهَا، وَلَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ يُفَسِّرُهَا وَيُوَضِّحُهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ لُغَةِ الْعَجَمِ، وَالْأَلْفَاظُ الْغَرِيبَةُ الَّتِي لَا يُوجَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مَا يُوَضِّحُهَا، وَهَكَذَا مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَالرُّوحِ وَمَا فِي قوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [1] إلى الآخر الْآيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَكَذَا مَا كَانَتْ دَلَالَتُهُ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَلَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ، كَوُرُودِ الشَّيْءِ مُحْتَمِلًا لِأَمْرَيْنِ احْتِمَالًا لَا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك فِي نَفْسِهِ، وَذَلِكَ كَالْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ مَا يُبَيِّنُ الْمُرَادُ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ مِنَ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ، وَكَذَلِكَ وُرُودُ دَلِيلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ تَعَارُضًا كُلِّيًّا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، لَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ وَلَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ يُرَجِّحُهُ. وَأَمَّا مَا كَانَ وَاضِحَ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، أَوْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَالْأُمُورِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي وَرَدَ بَيَانُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، أَوْ فِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، أَوِ الْأُمُورِ الَّتِي تَعَارَضَتْ دَلَالَتُهَا، ثُمَّ وَرَدَ مَا يُبَيِّنُ رَاجِحَهَا مِنْ مَرْجُوحِهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، أَوْ سَائِرِ الْمُرَجِّحَاتِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ الْمَقْبُولَةِ، عِنْدَ أَهْلِ الْإِنْصَافِ، فَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذِهِ مِنَ الْمُحْكَمِ لَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ فَقَدِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الصَّوَابُ، فَاشْدُدْ يَدَيْكَ عَلَى هَذَا فَإِنَّكَ تَنْجُو بِهِ مِنْ مَضَايِقَ وَمَزَالِقَ وَقَعَتْ لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، حَتَّى صَارَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ تُسَمِّي مَا دَلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ: مُحْكَمًا وَمَا دَلَّ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مَنْ يُخَالِفُهَا: مُتَشَابِهًا: سِيَّمَا أَهْلُ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَعَلَيْهِ بِمُؤَلَّفَاتِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُهُ مُحْكَمٌ، وَلَكِنْ لَا بِهَذَا الْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بَلْ بِمَعْنًى آخَرَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [2] وقوله: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ [3] وَالْمُرَادُ بِالْمُحْكَمِ بِهَذَا الْمَعْنَى: أَنَّهُ صَحِيحُ الْأَلْفَاظِ، قَوِيمُ الْمَعَانِي، فَائِقٌ فِي الْبَلَاغَةِ، وَالْفَصَاحَةِ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ. وَوَرَدَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَمِيعُهُ مُتَشَابِهٌ لَكِنْ لَا بِهَذَا الْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، بَلْ بِمَعْنًى آخَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كِتاباً مُتَشابِهاً [4] والمراد بالتشابه بِهَذَا الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الصِّحَّةِ، وَالْفَصَاحَةِ، وَالْحُسْنِ، وَالْبَلَاغَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِوُرُودِ الْمُتَشَابِهِ فِي الْقُرْآنِ فَوَائِدَ، مِنْهَا: أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ مَعَ وُجُودِهَا فِيهِ مَزِيدُ صُعُوبَةٍ وَمَشَقَّةٍ، وَذَلِكَ يُوجِبُ مَزِيدَ الثَّوَابِ لِلْمُسْتَخْرِجِينَ لِلْحَقِّ وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ، وَقَدْ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمَا وُجُوهًا هَذَا أَحْسَنُهَا، وَبَقِيَّتُهَا لَا تَسْتَحِقُّ الذِّكْرَ هَاهُنَا.
قَوْلُهُ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا فِيهِ ضَمِيرٌ مُقَدَّرٌ عَائِدٌ عَلَى قِسْمَيِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، أَيْ: كُلُّهُ، أو المحذوف

[1] لقمان: 34.
[2] هود: 1.
[3] يونس: 1.
[4] الزمر: 23.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 364
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست