responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 348
مُلْتَبِسٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ فِي فِعْلِ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ، وَفِيهِ الْوَعْدُ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [1] . قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ لِحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَدَفْعِ الرَّيْبِ، عَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَالَةِ الْعُذْرِ عَنْ وُجُودِ الْكَاتِبِ، وَنَصَّ عَلَى حَالَةِ السَّفَرِ، فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْعُذْرِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ كُلُّ عُذْرٍ يَقُومُ مَقَامَ السَّفَرِ، وَجَعَلَ الرِّهَانَ الْمَقْبُوضَةَ قَائِمَةً مَقَامَ الْكِتَابَةِ، أَيْ: فَإِنْ كُنْتُمْ مُسَافِرِينَ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فِي سَفَرِكُمْ فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: الرَّهْنُ فِي السَّفَرِ ثَابِتٌ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، وَفِي الْحَضَرِ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ رَهَنَ دِرْعًا لَهُ مِنْ يَهُودِيٍّ» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «كَاتِبًا» أَيْ رَجُلًا يَكْتُبُ لَكُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأُبَيٌّ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ:
«كِتَابًا» قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: فَسَّرَهُ مُجَاهِدٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِدَادًا: يَعْنِي فِي الْأَسْفَارِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَابْنُ كَثِيرٍ «فَرُهُنٌ» بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَاءِ. وَرُوِيَ عَنْهُمَا تَخْفِيفُ الْهَاءِ جَمْعُ رِهَانٍ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَالزَّجَّاجُ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ. وَقَرَأَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ «فَرَهْنٌ» بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: «رِهَانٌ» .
قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَالُ فِي الرَّهْنِ: رَهَنْتُ وأرهنت، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالْأَخْفَشُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
يُقَالُ: أَرْهَنْتُ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَأَمَّا فِي الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ: فَرَهَنْتُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
فَلَمَّا خَشِيتُ أَظَافِيرَهُمْ ... نَجَوْتُ وَأَرْهَنْتُهُمْ مَالِكًا
عَلَى أَرْهَنْتُهُمْ، عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ: رَهَنْتُهُ وَأَرْهَنْتُهُ، إِلَّا الْأَصْمَعِيَّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ وَأَرْهَنُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عَطْفٌ لِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ، وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِهِ: قُمْتُ وَأَصُكُّ وَجْهَهُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَرْهَنْتُ فِيهِمَا: بِمَعْنَى أَسْلَفْتُ، وَالْمُرْتَهِنُ الَّذِي يَأْخُذُ الرَّهْنَ، وَالشَّيْءُ مَرْهُونٌ وَرَهِينٌ، وَرَاهَنْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا مُرَاهَنَةً: خَاطَرْتُهُ. وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اعْتِبَارِ الْقَبْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الِارْتِهَانُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ دُونِ قَبْضٍ. قَوْلُهُ: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ أَيْ: إِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَمِينًا عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ، لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِهِ، وَأَمَانَتِهِ لَدَيْهِ، وَاسْتَغْنَى بِأَمَانَتِهِ عَنِ الِارْتِهَانِ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ وَهُوَ الْمَدْيُونُ أَمانَتَهُ أَيِ: الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ، وَالْأَمَانَةُ: مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ، وَأَضَافَهَا إِلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَهَا إِلَيْهِ نِسْبَةً، وَقُرِئَ «ايتَمَنَ» بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً، وَقُرِئَ بِإِدْغَامِ الْيَاءِ فِي التَّاءِ وَهُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُنْقَلِبَةَ مِنَ الْهَمْزَةِ لَا تُدْغَمُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِهَا وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ فِي أَنْ لَا يَكْتُمَ مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ نَهْيٌ لِلشُّهُودِ أَنْ يَكْتُمُوا مَا تَحَمَّلُوهُ مِنَ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ التَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ:
وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ أَيْ: لَا يُضَارِرْ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. قَوْلُهُ: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ خَصَّ الْقَلْبَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْكَتْمَ مِنْ أَفْعَالِهِ، وَلِكَوْنِهِ رَئِيسَ الْأَعْضَاءِ، وَهُوَ الْمُضْغَةُ الَّتِي إِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ كُلُّهُ، وَارْتِفَاعُ الْقَلْبِ: عَلَى أنه فاعل أو مبتدأ، وآثم: خَبَرُهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ: بَدَلًا مِنْ آثِمٌ، بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

[1] الأنفال: 29.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 348
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست