responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 235
فَيَذْكُرُونَ مَفَاخِرَ آبَائِهِمْ وَمَنَاقِبَ أَسْلَافِهِمْ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذِكْرِهِ مَكَانَ ذَلِكَ الذِّكْرِ، وَيَجْعَلُونَهُ ذِكْرًا مِثْلَ ذِكْرِهِمْ لِآبَائِهِمْ، أَوْ أَشَدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ لِآبَائِهِمْ. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ قَوْلَهُ: أَوْ أَشَدَّ: فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى ذِكْرِكُمْ، وَالْمَعْنَى: أَوْ كَأَشَدَّ ذِكْرًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيِ: اذْكُرُوهُ أَشَدَّ ذِكْرًا. وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ الذِّكْرُ فِي قَوْلِهِ: كَذِكْرِكُمْ كَمَا تَقُولُ: كَذِكْرِ قُرَيْشٍ آبَاءَهُمْ، أَوْ قَوْمٍ أَشَدَّ مِنْهُمْ ذِكْرًا. قَوْلُهُ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ الْآيَةَ، لَمَّا أَرْشَدَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ إِلَى ذِكْرِهِ، وَكَانَ الدُّعَاءُ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ جَعَلَ مَنْ يَدْعُوهُ مُنْقَسِمًا إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَطْلُبُ حَظَّ الدُّنْيَا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى حَظِّ الْآخِرَةِ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ يَطْلُبُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَمَفْعُولُ الْفِعْلِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: آتِنا مَحْذُوفٌ، أَيْ: مَا نُرِيدُ أَوْ مَا نَطْلُبُ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَما لَهُ وَاوُ الْحَالِ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا حَالِيَّةٌ. وَالْخَلَاقُ:
النَّصِيبُ، أَيْ: وَمَا لِهَذَا الدَّاعِي فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ، لِأَنَّ هَمَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى الدُّنْيَا، لَا يُرِيدُ غَيْرَهَا، وَلَا يَطْلُبُ سِوَاهَا. وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَعْنَى النَّهْيِ عَنِ الِاقْتِصَارِ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا، وَالذَّمِّ لِمَنْ جَعَلَهَا غَايَةَ رَغْبَتِهِ، وَمُعْظَمَ مَقْصُودِهِ. وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْآيَةِ، فَقِيلَ: هُمَا مَا يَطْلُبُهُ الصَّالِحُونَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَافِيَةِ، وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الرِّزْقِ، وَمَا يَطْلُبُونَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَالرِّضَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِحَسَنَةِ الدُّنْيَا:
الزَّوْجَةُ الْحَسْنَاءُ، وَحَسَنَةِ الْآخِرَةِ: الْحُورُ الْعِينُ وَقِيلَ: حَسَنَةُ الدُّنْيَا: الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَسَنَتَيْنِ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي هَذَا كُلَّهُ، فَإِنَّ حَسَنَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الدُّعَاءِ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ حَسَنَةٍ مِنَ الْحَسَنَاتِ عَلَى الْبَدَلِ، وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ: الْجَنَّةُ، بِإِجْمَاعٍ. انْتَهَى. قَوْلُهُ: وَقِنا أَصْلُهُ: أَوْقِنَا، حُذِفَتِ الْوَاوُ كَمَا حُذِفَتْ فِي يَقِي لِأَنَّهَا بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ مِثْلُ يَعِدُ، هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: حُذِفَتْ فَرْقًا بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمُتَعَدِّي.
وَقَوْلُهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ جِنْسِ مَا كَسَبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ، أَيْ: مِنْ ثَوَابِهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِهِمُ الدُّعَاءُ، فَمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ بِسَبَبِهِ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ مِمَّا كَسَبُوا وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: مِمَّا كَسَبُوا التَّعْلِيلُ، أَيْ: مِنْ أَجْلِ مَا كَسَبُوا، وَهُوَ بَعِيدٌ وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، أَيْ: لِلْأَوَّلِينَ نَصِيبٌ مِنَ الدُّنْيَا وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلِلْآخِرِينَ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَسَرِيعٌ: مِنْ سَرُعَ يَسْرُعُ، كَعَظُمَ يَعْظُمُ، سَرَعًا وَسُرْعَةً، وَالْحِسَابُ: مَصْدَرٌ كَالْمُحَاسَبَةِ، وَأَصْلُهُ الْعَدَدُ، يُقَالُ: حَسَبَ يَحْسُبُ حِسَابًا، وَحِسَابَةً وَحُسْبَانًا وَحَسْبًا. وَالْمُرَادُ هُنَا: الْمَحْسُوبُ، سُمِّيَ: حِسَابًا، تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ حِسَابَهُ لِعِبَادِهِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ سَرِيعٌ مَجِيئُهُ، فَبَادِرُوا ذَلِكَ بِأَعْمَالِ الْخَيْرِ، أَوْ أَنَّهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِسُرْعَةِ حِسَابِ الْخَلَائِقِ عَلَى كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ فَيُحَاسِبُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [1] . قَوْلُهُ: فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هِيَ أَيَّامُ مِنًى، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ أَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ النَّحْرِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَكِّيٍّ وَالْمَهْدَوِيِّ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلَا يَصِحُّ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ من

[1] لقمان: 28.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 235
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست