responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 65
لَا يَجُوزُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ رَفْعَ الْحَرَجِ وَالْمُؤَاخَذَةِ عَنِ الْمُؤْمِنِ إِذَا شَرِبَ قَلِيلًا مِنَ الْخَمْرِ بِالشُّرُوطِ الشَّدِيدَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِيهَا، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ التَّقْوَى مِنْهَا أَلَّا يُسْكِرَ وَلَا يَكُونَ بِحَيْثُ تُوقِعُ الْخَمْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بُغْضًا وَلَا عَدَاوَةً، وَلَا بِحَيْثُ تَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ؟
قُلْتُ: إِنَّ الطُّعْمَ فِي اللُّغَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الشُّرْبِ الْقَلِيلِ وَلَا الْكَثِيرِ بَلْ عَلَى ذَوْقِ الْمَشْرُوبِ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ، أَوْ إِدْرَاكِ طَعْمِهِ مِنْ ذَوْقِهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، كَمَا حَرَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ، وَأَنْتَ تَرَى الْفَرْقَ الْجَلِيَّ بَيْنَ الشُّرْبِ الْكَثِيرِ وَالشُّرْبِ الْقَلِيلِ وَبَيْنَ طَعَامِ الْمَاءِ بِتَذَوُّقِهِ فِي قِصَّةِ طَالُوتَ: (قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) (2: 249) فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الِابْتِلَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ: الْأُولَى الْبَرَاءَةُ مِمَّنْ شَرِبَ حَتَّى رَوِيَ وَالثَّانِيَةُ الِاتِّحَادُ التَّامُّ بِمَنْ لَمْ يَذُقْ طَعْمَهُ الْبَتَّةَ، وَالثَّالِثَةُ بَيْنَ بَيْنَ، وَهِيَ لِمَنْ أَخَذَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَكَسَرَ بِهَا سُورَ الظَّمَأِ وَلَمْ يَكْرَعْ فَيَرْوِهِ، هَذَا مَا جَرَيْنَا عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ (ص: 386 وَمَا بَعْدَهَا ج 2ط الْهَيْئَةِ) وَهُوَ مَا تُغَطِّيهِ
اللُّغَةُ وَجَرَى عَلَيْهِ جَهَابِذَتُهَا فِي تَفْسِيرِ اللَّفْظِ كَالزَّمَخْشَرِيِّ وَتَبِعَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ وَالرَّازِيُّ والْآلُوسِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ: (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) اسْتَثْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ خَلَطَ، وَأَدْخَلَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا، تَبَعًا لِلرِّوَايَاتِ أَوْ لِاصْطِلَاحَاتِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلِفَ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مَثَلًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى طَعِمُوا فَلَا فَائِدَةَ مِنْ إِبَاحَةِ تَذَوُّقِ طَعْمِ الْخَمْرِ بِمُقَدِّمِ الْفَمِ لِأَحَدٍ، فَيَكُونُ لَغْوًا يُنَزَّهُ كِتَابُ اللهِ عَنْهُ.
وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ نَصُّهَا: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِي شُرْبِ الْقَلِيلِ مِنَ الْخَمْرِ أَوْ مَا لَا يُسْكِرُ وَلَا يَضُرُّ مِنَ الْخَمْرِ إِذْ مَا اتَّقَوْا إِلَخْ، وَلَكِنَّ أَجْدَرَ النَّاسِ بِفَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ خُوطِبُوا بِهَا أَوَّلًا مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ بَلْ صَحَّ عَنْهُمْ ضِدُّهُ.
رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ " الْفَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا، وَقِيلَ: إِنَّ سَاكِنَ الرَّاءِ مِكْيَالٌ آخَرُ يَسَعُ 120 رَطْلًا، وَرُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا أَبُو عُثْمَانَ عُمَرُ أَوْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ قَاضِي مَرْوٍ التَّابِعِيُّ، فَهُوَ مَقْبُولٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ، وَنُقِلَ فِي أَصْلِهِ تَوْثِيقُهُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ حِبَّانَ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 65
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست