responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 64
حَدِيثٍ مَضَى، فَمَعْنَاهُ: مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ مُقْتَضَى سُنَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنْ يُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا مِنْ قَبْلُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَنَقَلْنَاهُ عَنِ الْكَشَّافِ فَهُوَ يَعُمُّ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلَ وَمِثَالُهُ: (مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ) (12: 38) وَيُشْبِهُ الْعِبَارَةَ الَّتِي قَالُوهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ) (33: 38) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّهَا لِنَفْيِ الْحَرَجِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي بَلْ تَعُمُّ نَفْيَهُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْفَائِدَةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا.
(ثَالِثًا) لَوْ كَانَ مَعْنَى الْآيَةِ مَا ذَكَرُوهُ لَأَخَذَ بِهِ مَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ كَانَ يَمِيلُ إِلَيْهِمْ بَعْدَهُمْ.
نَعَمْ إِنَّهُ لَوْلَا مَا وَرَدَ مِنْ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ لَكَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ تَضْيِيقٌ وَإِعْنَاتٌ فِيمَا أَكَلُوا (وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ أَوْ شَرِبُوا) مِنَ اللَّذَائِذِ كَمَا تَوَهَّمَ الَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَيِّبَاتَ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُمْ مُبَالَغَةً فِي النُّسُكِ إِذَا كَانُوا مُعْتَصِمِينَ بِعُرَى التَّقْوَى فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، رَاسِخِينَ فِي الْإِيمَانِ مُتَحَلِّينَ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ مُحْسِنِينَ فِيهَا، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ; كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ وَالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ إِنَّمَا الْجُنَاحُ الْحَرَجُ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يُسْرِفُونَ فِيهِمَا، وَيَجْعَلُونَهَا أَكْبَرَ هَمِّهِمْ مِنْ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَلَا يَجْتَنِبُونَ الْخَبِيثَ مِنْهُمَا، فَالْعِبْرَةُ فِي الدِّينِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِحْسَانِ فَذَلِكَ هُوَ النُّسُكُ كُلُّهُ، لَا بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَتَعْذِيبِ النُّفُوسِ وَإِرْهَاقِهَا، وَلَعَلَّ شَيْخَنَا لَوْ فَسَّرَ الْآيَةَ لَجَزَمَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ، وَأَنَّ مَا وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا إِذَا صَحَّ يُؤْخَذُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ
فَحْوَى الْآيَةِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا لِأَنَّ الْعُمْدَةَ فِي الدِّينِ هُوَ التَّقْوَى لَا أَمْرَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لَا يُحَرَّمُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا لِضَرَرِهِ.
وَإِذَا لَمْ يُرَاعَ سَبَبُ النُّزُولِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَعْنَاهُ " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِثْمٌ فِيمَا يَشْرَبُونَ مِنَ الْخَمْرِ " بَعْدَ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِهَا وَتَأْكِيدِهِ بِمَا فِي سِيَاقِ آيَاتِ التَّحْرِيمِ مِنَ الْمُؤَكِّدَاتِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ (طَعِمُوا) لَا مَدْلُولَ لَهُ فِي اللُّغَةِ إِلَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فِي الْمَاضِي أَوْ تَذَوُّقُ كُلِّ مَا لَهُ طَعْمٌ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ يُقَدَّمُ لِلْفَمِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَيْضًا، وَلَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ مُتَّصِلًا بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَكَّدِ، أَوْ تَخْصِيصًا لَهُ بِغَيْرِ أَهْلِ التَّقْوَى الْكَامِلَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، وَلَيْسَ لِهَذَا نَظِيرٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ، وَلَا يَتَّفِقُ مَعَ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْأَفْعَالَ الْمَاضِيَةَ إِذَا وَرَدَتْ فِي سِيَاقِ الْأَحْكَامِ التَّشْرِيعِيَّةِ وَالْقَوَاعِدِ الْعِلْمِيَّةِ تُفِيدُ التَّكْرَارَ الَّذِي يَعُمُّ الْمُسْتَقْبَلَ، بِمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ كُلَّمَا وَقَعَ كَانَ حُكْمُهُ كَذَا فَلِمَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 64
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست