responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 519
هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي بَيَانِ وَعِيدِ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَادَّعَى الْوَحْيَ أَوِ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهِ، قَفَّى بِهِمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْوَحْيِ مِنْ شُئُونِهِ تَعَالَى وَمُتَعَلِّقِ صِفَاتِهِ، وَمِنَ الرَّدِّ عَلَى
مُنْكِرِيهِ وَإِثْبَاتِ كَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْكَرُوا إِنْزَالَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ بَشَرٌ. كَالتَّوْرَاةِ الَّتِي يَعْتَرِفُونَ بِإِنْزَالِهَا عَلَى مُوسَى وَهُوَ بَشَرٌ، عَلَى أَنَّهُ أَكْمَلُ مِنَ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ ; وَلِذَلِكَ خُوطِبَ بِهِ جَمِيعُ النَّاسِ، وَجُعِلَ مُكَمِّلًا وَخَاتِمًا لِلْأَدْيَانِ. وَهَذَا الْوَعِيدُ يَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ بِصِدْقِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى، وَعَنِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَمَا يَتْبَعُهَا وَيَسْتَلْزِمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَكْمَلُ النَّاسِ إِيمَانًا بِاللهِ وَخَشْيَةً لَهُ، وَإِيمَانًا بِالدَّارِ الْآخِرَةِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ - وَهُوَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ - مِمَّنْ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِهَذَا الْجَزَاءِ، وَهُوَ مُنْتَهَى الظُّلْمِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَشَدُّ الْوَعِيدِ؟ قَالَ تَعَالَى:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا) افْتِرَاءُ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ الِاخْتِلَاقُ عَلَيْهِ بِالْحِكَايَةِ عَنْهُ وَالْعَزْوِ إِلَيْهِ، أَوْ بِاتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ لَهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ اللَّفْظِ، وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ فِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ (الْآيَةَ 21) وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي أَوَاخِرِهَا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) 144 وَهُوَ فِيمَنْ يَدَّعِي الْوَحْيَ كَذِبًا. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَعْرَافِ وَيُونُسَ وَهُودٍ وَالْكَهْفِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَالصَّفِّ، وَأَشْبَهُ مَا فِي هَذِهِ السُّوَرِ بِمَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا آيَةُ يُونُسَ ; فَإِنَّهَا فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى الْقُرْآنِ. قَالَ: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) 10: 15 - 17 وَقَدْ فَسَّرَ الْآلُوسِيُّ افْتِرَاءَ الْكَذِبِ هُنَا بِإِنْكَارِ الْوَحْيِ، وَهُوَ لَا يَتَّفِقُ مَعَ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَالْمَعْنَى لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا.
(أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) جَعَلَ بَعْضُهُمْ " أَوْ " هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ) 11: 87 وَقَوْلِ الشَّاعِرِ " عَلَيْهَا تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا "
فَيَكُونُ الْعَطْفُ فِيهِ
لِتَفْسِيرِ افْتِرَاءِ الْكَذِبِ، وَنُعَقِّبُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ لَا يَأْتِي بِـ " أَوْ " وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ أَوِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَإِنَّ افْتِرَاءَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ يَشْمَلُ كُلَّ قَوْلٍ عَلَى اللهِ بِغَيْرِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 519
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست